in

التاريخ والدراما ١ لماذا نقرأ التاريخ

: قد يقول قائلُكم
عـلامَ نـتـعـبُ أنـفـسَـــنـا بـقـراءة الـتـاريـخ ونـحـن أبـنـاءُ الـحـاضـر ؟ وهـمُّـنـا الـمـسـتـقـبـلُ ومـا يـخـبّـئـهُ لنـا فـي جعبتـه ، سـيّما أنّـنـا نظـنُّ أنَّ حـجـمَ الـزَّيـف والكـذب في تـاريخنا كبيـرٌ يكـادُ يفـوقُ الحقيقـيَّ منـهُ
وكـذلـك ، لـمـاذا نُـجـهِـدُ أنـفُـسَــنـا فـي اســتـذكـار تـاريـخٍ حـافـلٍ بـالدمـاء والـغـدر والـخـيـانـة ومـلاحـقـة الـنـاس الـمُـشــرقـيـن بـغـرض قـتـلـهـم وتـشــريـدهـم ؟.
ســأعرضُ رأيـي بـاخـتـصـار ولـكـم أن تـقـبـلـوهُ أو تـرفـضـوهُ وهــذا حـقّـي وحقّـكـم : أســهـلُ شــيء أن نُـشـيحَ بوجهـنا عن تاريخنا بسبب تلك الـدعـاوى كـلـهـا ، ولـكـن هـل سـيتـركـنـا هـو بـحـالنـا ؟ أبـداً عـلی الإطلاق، نحنُ نعيـشُ في جـزءٍ منـه شـئنـا أم أبينا فاللغة تـاريـخ، والأسـماء تـاريخ ،والأرض تـاريخ ..الخ
ـ أنـا أحـاولُ قـراءةَ الـتـاريـخ بـطـريـقـةٍ مـخـتـلـفـةٍ وهـي طـرحُ الأســئـلـة ولـيــس الإجـابـة عنها ، وبعيـداً عـن أحـكـام الـقـيـمـة ، فـالـجـوابُ عـنـدكـم ؛ أي أنّـني لا أحـاول إعـطـاءَ رأيي فيمـا جـری بـل الرأيُ لكم، وإنمـا مهمّـتي تقتصـر علی طـرح المـوضـوع للمنـاقشـة دون مُقـدَّســاتٍ ولا مُحـرَّمـات فيكفينـا مـا جـری.
قـراءة الـتـاريـخ بـعـجـره وبـجـره ـ كما يقال ـ تـحمـيـنـا مـن تـكـرار ذات الأخـطـاء الـتـي نـقـع بـهـا دومـاً ويـجـنّـبُـنـا مـزالـقَ نـحـنُ فـي غـنـیً عـنـهـا.
غيـرُنا يقـرأ تـاريخَنـا باهتمـامٍ شـديـد لكي يُحسـنَ السـيطـرة علی بلادنا وسأذكرُ أربعةَ شواهد تؤكّدُ ما قلت
ـ الأول : بـعـد هـزيـمـة الـجـيـش الـتـركـيّ فـي حـمـلـة الـتـرعـة ( قـنــاة الســويـس ) فـي الـحـرب الأولـى انـدفـع الـجـيـش الـبـريـطـاني واحـتـلّ فـلـســـطـيـن وعـنـدمـا دخـل الـجـنـرال الـلـنـبـي إلـی الـقـدس وقـف مـخـاطـبـاً جـنـوده : الـيـوم انـتـهـت الـحـروب الـصّـلـيـبـيـة
ـ الـثـانـي : مع دخول الـجـنـرال غــورو مُـحـتَـلاً دمـشــق بـعــد مـيـســلـون زار ضــريـح صــلاح الـديـن وخـاطـب الضـريـح مـتـشـفّيـاً : “هـا قـد عُـدنا يـا صـلاح الـدِّيـن ” ـ
ـ الـثـالـث : إنَّ الاسـم الـكـوديّ لـحـمـلـة عـاصـفـة الـصـحـراء سـنـة 1991 لـتـدمـيـر الـعـراق العزيز كان ( إيفا ماريا ) ومعناه المجدُ للعذراء
ـ الـرابـع : وقـع بـيـن يـديّ كـتـاب ضـخـم عـنـوانـه ( إمـبـراطـوريّـة الـعـرب ) ولـفـت نظـري اسـمُ مؤلّفه وهـو الجـنـرال جـون بـاجـيـت غـلـوب الـمـعـروف عـنـدنـا باســم غـلـوب بـاشــا أو ( أبـو حنـيـك ) وأظن الجـمـيـع يـعـرفـه أو سـمـع بـه ، الـلافـت بـشـدة هـو حـجـم الـمـعـرفـة الـهـائـل الـذي يـعـرفـه الـرجـل عن تـاريخنـا بالتـفصـيل والمـراجـع ، لـذلـك كـان الكـتـاب مـن أجـمـل وأمـتـع وأهـم مـا قـرأت، وأشـكرهُ عليه.
إذن هم يقرؤون ويحفظون ويدرسون ونحن لا نفعل.
تـاريـخ الأمـم والـشــعـوب كلّـهـا ملـيء بـالدمـاء والصــراعـات والـهـزائـم والانـتـصـارات ، وذلـك لـيـس حـكـراً عـلـيـنـا وحـدنـا ، ولـكنـنـا نـقـرأه كـمـا يـريـدون لـنـا أن نـقـرأه ، ولـيـس كـمـا يجـب علينا أن نفعل.
لا بـأس بـأن نسـمـعَ رأيَ مـؤرّخـنـا الـعـظـيـم عـبـدالـرحـمــن بـن خـلــدون حـيـن قـال : ” يـجـبُ إعـمــالُ الـعـقـلِ فـي الـخـبـر ، إنّ الـغـلـطَ والـوهـمَ نـســيـبٌ للأخـبـار وخـلـيـل ، فـالأخـبـارُ مَـظَـنّـةُ الـكـذب ومَطيّةُ الهَـذر والـكـذبُ مُـتـطـرِّقٌ للـخـبـرِ بـطـبـيـعـتِـه ” ، الـخـطِـر فـي الـمـوضــوع هـو أنَّــك عـنـدمـا تـشـــعـر بـالحـقـد والـكـراهـيـة اتـجـاه تـاريـخـك وثـقـافـتـك سـيـسـهـل عندها إحكامُ السيطرة عليك والعكس بالعكس.
ـ دعـونـا نـقـرأ ونـدرس ونـتـحـاور، ونـضـع مـعـاً أيـدينـا علـى الجميـل لنكـرّسـه ، وعلـى البشـع لنتجنّبـه دون تـوتّـر ونـرفـزة وبـالتـأكيـد دون آراء مُسـبَقة ، فـكـلُّ شـيء يجـب طـرحه على مائدة الحوار والبحث، ولابأس في الخروج بآراءَ ونتائج ــ بعد الحوار وليس قبله ــ وإلاّ فنحن نحاول إقناع بعضنا أو فرض رأينا وهذا هو العُقم ذاتـه ، و أرجـو أن نجيـب معـاً علی سـؤال الحـاضـر والمستقبل وكذلك علی أسئلة التاريخ.

د. عمر عبيد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0
الإعلامية إيمان المنديل

إيمان المنديل في إذاعة الرياض

التاريخ والدراما ٣ جندرة عربية