in

التاريخ والدراما ٣ جندرة عربية

أرسـل الخـلـيـفـة عمر بن الخطاب جيشـــاً إلـی الـعــراق قـادَهُ ســعد بـن أبي وقـاص و كـانـت الـمـعـركـة التـي سـتـحـسـم الـصـراعَ مـع جـيــش الفــرس ســتـقـع عـنـد الـقـادســيـة ، كـانـت مـعــركـةُ الـقـادســيـة مـعـركـةً مـصـيـريـةً للـفـريـقـيـن فـهـنـا أمَّـةٌ شــابّـةٌ مـوحَّـدةٌ نَـهِـمـةٌ للـغـزو ونـشـــر الـعـقـيـدة ، وهـنـاك إمبراطـوريـةٌ متهالكةٌ مزّقتها الصراعات الداخلية لكنّها لازالت قادرة علی حشد جيشٍ عرمرم مُسلَّحٍ بجندٍ محترف مدجَّجٍ بالفيلة المخيفة التي كانت سلاحاً رهيباً لم يألـفْهُ العرب في معـاركهـم ، اسـتمـرّت المعركةُ أربعة أيامٍ بلياليها ولكلِّ يومٍ اسمٌ مختلفٌ حسب ما جری فيه: كيومِ أغواث ويوم أرماس ولكلِّ ليلةٍ اسمٌ كليلةِ الهرير التي سُمّيـت كذلك لكثـرة ما سُمِعَ هريرُ المقاتلين الجرحى والمتعَبين والمُصلّينَ طلباً للنصر والفرج.
ــ تقـول الحكـايـة : مـرضَ سـعـد بـن أبـي وقـاص ؛ قـائـد العسـكر الـعـربيّ أيّامَها فلم يشارك بالقتال وهو الصـحابيُّ القديم الذي شـهِدَ مع الرسـول عليه السـلام المشـاهِدَ كلَّها من بـدر وأحـد و حتـی فتـح مكّـة ..إلخ
كـان لـســعـد فـرسٌ جـمـيـلـةٌ سـوداءُ تُـسـمّـی الـبـلـقـاء وكـانـت تُـحـمـحِـمُ فـي إســطـبـلـهـا لأنّـهـا تُـحــسُّ بـلـهـيـب الـمـعـركـة و تـتـمـنـى الـمـشـاركـة فـيـهـا لـكـنَّ فـارسَــهـا عـلـيـلٌ يـراقـبُ الـحـرب مـن بـعـيـد ، وكـان أحدُ أشـجـعِ فـرسـانِ الـعـربِ أيّـامَـهـا ويُـدعـی أبـو مـحـجـن الـثـقـفـيّ مـحـبـوسـاً فـي سـجـن سـعـد لأنّـهُ كـان يُـعـاقـرُ الـخمـر ، وكـان الـمـسـلـمـونَ بـأمـسِّ الـحـاجـةِ لـفـرسـانٍ مـن عـيـاره للـصـمود والقتال غافلَتْ زوجـةُ سـعدٍ زوجَهـا وفكّـت وثـاقَ أبـي محجن وأعطَتْهُ فرسَ سعدٍ البلقاء فركبها أبو محجن وانطلقَ إلی المعـركة ضـارباً بسـيفِهِ يـخـتالُ فـوق الـبـلـقـاء ، وهو ملثَّمٌ كي لا يعرفهُ الناس ، وأخذَ يرتجزُ ويقول:ـ
كفی حزَناً أن تَـرديَ الخيلُ بالقَنـا
وأُتـرَكَ مـشــدوداً عـلَـيَّ وثـاقـيــا
يُقطِّعُ قلبي حسرةً أن أری الوغى
ولا سـامعٌ صـوتي ولا مَن يَرانيا
فَلِلّهِ عـهـــدٌ لا أحـيــفُ بـعـهـــدِهِ
لَـئِـنْ فُـرجَـت ألاّ أزورَ الحـوانيـا
ولاحظَ سعدٌ من بعيد ذلك الفارسَ الذي يصولُ ويجولُ فقال متعجّباً وهو الخبير بالفرسان وبالخيل : الجريُ جريُ البلقاء والطَّعْنُ طَعنُ أبي محجن والله لو لم يكن في محبسي لقُلْتُ هذا أبو محجن وهذه البلقاءُ فرسي!ـ
الـمـهـم عـنـد عـودة أبـي مـحـجـن فـي أحـد أيــام الـمـعــركـة ، وكــانَ اللـيــلُ قــد أرخـی سُـــدولَـهُ ، وهـو يـتـأرجـحُ عـلی ظهـر البلـقـاء صـادفَـتْـهُ امـرأةٌ عـربيـةٌ كـانـت تـقـفُ وراءَ المـقـاتـلين تحثُّهُم علی الصمود فظنّتْهُ منهزماً فأوقفَتِ الفرسَ وخاطبَتْهُ ساخرةً منهُ بأقسى سخريةٍ (أنثوية)ٍ ممكنةٍ من فارسٍ منهزم وقالت:ـ
مَـن فارسٌ كرِهَ الطِّعانَ يُعيرُني
رُمحـاً إذا نَـزلـوا بمـرجِ الصُّفَّرِ
تـقـصـدُ : انـهـزِمْ أنـتَ كـمـا تـشـاء وهـاتِ رمـحَـكَ أقـاتـلُ بـهِ عـنـكَ أيّـهـا الـفـارس الـمـنـهـزم الـمـجـهـول
ردَّ أبـو مـحـجـن مـرتـجِـلاً بـسـرعـةٍ ( ذكـوريـةٍ ) بـالـغـةٍ تـهـزأ مـنـهـا ومـن جـنـسِـهـا مُـسـتـفَـزّاً ، وقال:ـ
إنَّ الكـرامَ علـی الجيـادِ مَبيتُهُـمْ
فَدَعي الرماحَ لأهلِها وتَعطَّـريْ
يـقصـد : إذا حُـمَّ الـقـضـاءُ وعَلا صـليلُ السيوف فمكانُكِ ليسَ هنا فاذهبي وتعطّري وانتظري !!بالله عليكم ألـيـسـت هـذه ( جـنـدرة إسـلامـيـة عـربـيـة ) حـقيـقـيـة ، أم لا ؟
بعـدَ الحـادثـة بسـنيـن و حيـن صـار علـی فـراش المـوت أوصـی أبو محجن بدفنِهِ تحـت جذعِ كرمةٍ قائلاً:ـ
إذا مِـتُّ فـادفِنّـي إلی جـذعِ كرمـةٍ
تُروّي عظامي بعدَ موتي عُروقها
ولا تـدفِنَـنّي في الفَـلاةِ فـإنني
أخافُ إذا ما مِتُّ أن لا أذوقها

رحـمـهُ الله فـارسـاً شـجاعـاً صـادقـاً مع نفسـه

د. عمر عبيد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

التاريخ والدراما ١ لماذا نقرأ التاريخ

هل تمارس السرقة الخفية