in

العقل المستقيل

  • يقول ديكارت ..((ليس المهم أن تمتلك عقلا ،بل المهم أن تحسن استخدامه))
    عندما يتربع المتنبئون صدارة المشهد الإعلامي، وترى الحشود الغفيرة متسمّرة أمام الشاشات للاستماع إلى ليلى عبد اللطيف، ومايك فغالي، ونجلا قباني و…و..وغيرهم من  قارئي  الكف وفنجان القهوة والعرّافين والمتنبئين بأحداث  المستقبل، واللافت بالموضوع  أن بعض المحطات الإعلامية التي  من المفترض  أن تكون رسالتها سامية في التوعية والتثقيف، فبدل أن تقدم المعلومة المفيدة للناس ،  نجدها تعمل على تسطيح الفكر من خلال استقبال هؤلاء المنجمين  وتلميع صورتهم فتجد بعض محطات التلفزة قد حددت يوميا فقرة صباحية لقراءة الأبراج وإعطاء الصفات والملامح  الخاصة بكل  برج، لدرجة أنك أحياناً عندما تلتقي شخصاً للمرة الأولى  يبادرك بالسؤال  عن برجك قبل اسمك ليحدد الطريقة التي سيتعامل بها معك . 
    التنجيم  أسلوب نفسي يعتمد الجذب وتحريك الفضول والسيطرة غير المباشرة على العقول والمشاعر لتحقيق أكبر  متابعة لتلك  القنوات، ولم يتوقف ذلك على شاشات  التلفزة بل امتدت للكثير من صفحات ومنصات  التواصل الاجتماعي  المختلفة التي اختصت  في بيع الوهم وقراءة المستقبل من قبل مشعوذين عصريين يلاحقون آخر صيحات الموضة ويستخدمون أحدث وسائل التقنية لقراءة الطالع ،  و المتلقي  يتعلق بخيوط  البحث عن أمل جديد، للتخلص  من مشكلاته المستعصية  عن الحل في الواقع الصعب، هكذا يتم الاحتيال على العقول ، بشغف المتابعة والتعلق حتى أصبحت صفحات ((بيع الاوهام ))من من أكثر الصفحات متابعةً وتعليقاً.
    والأغرب من هذا وكله أن البعض  يصدق مايقوله هؤلاء ويسيّر حياتها اعتمادًا على تنبؤاته.

حقاً إنه العقل المستقيل من عمله، فالعقل هو المحاكمة وحرية القبول والرفض والقدرة على المحاكمة والقياس لكل مايقدم للإنسان، أما عدم امتلاك تلك المهارات واللحاق الأعمى برؤى الباحثين عن الشهرة  او المأجورين الذين يتوقعون الأحداث السياسية القادمة المستهترين بعقول الآلاف.
إن  تظهير هؤلاء من قبل بعض منصات التواصل، ودخولهم في مجال  التنبؤ السياسي كالبلغارية (( ماما فانغا )) والتي تنبأت بأحداث كثيرة حدثت في العقدين الأخيرين  وذلك بهدف التأثير على  الرأي العام وتوجيهه في مسار  معين .
إن عملية الاحتيال على العقول تظهر بشدة من خلال متابعة  جمهور عريض لقراء الفلك  وممن  يلجؤون للتفكير السحري والخرافي في  تحقيق أحلامهم وأمانيهم ، مبتعدين كثيرا  عن التفكير العلمي والنقدي وتجد  حالة تحييد العقل  وتهميشه في  ترميز التافهين وإعطائهم مفاتيح الحاضر والمستقبل عبر السيطرة على الأحلام والطموحات والمتعة المؤقتة، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على سطحية التفكير  واستقالة  العقل عن التفكير المنطقي،  بحيث يتم إعطاء  الحق للغير في السيطرة على الذهنية  والمشاعر وتحويلهما إلى  المسار  الذي يخدم فكرة أو فئة معينة .
ولايسعني في نهاية هذا المقال سوى القول :
((كذب المنجمون ولو صدقوا ))

هيام نحلي

Written by Fadhaat

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

تحديث الذاكرة

“لَڤِت LVT” و”سويت نوثينغ SWEETNOTHING” فخامة الحلويات الباريسية من مجموعة هناد تفتح أبوابها في الرياض