in

التاريخ والدراما / 8 / ملكتان و ثورتان

ـ في فرنسا قبيل اندلاع الثورة سنة 1789 كانت الملكةُ [ ماري أنطوانيت ] الشهيرة تعيش معزولةً عن شـعبهـا تماماً في قصورها مثل قصر فرساي وكان زوجها [ لويس السادس عشر ] يقضي جلَّ وقته في التسلية بهـوايتـه المفضـلـة وهـي صـنـع الأقفال، بينما هي تتلهّى بقصص غرامٍ متنوعة مع شباب الطبقة النبيلة، بلغـت عـزلتهمـا عـن الشـعـب مَبلغـاً عظيمـاً وبلـغ الترفُ والبذخ في القصر حدوداً مأساويةً بينما معظم الناس كانت تموت جوعاً في أنحاء فرنسا ،ولا تجد ما يسدُّ رمقَها
ـ في إيـران قبيـل الثـورة علـى الشـاه سـنة 1979 كانت الإمبراطورة [ فرح ديبا ] تعيش ما بين قصر المـرمـر وقصـر نيـافـاران معـزولـةً عـن شـعبهـا وتعتقـد هـي وزوجها الشاه أنّ العرش ثابتٌ ولن يهتزّ خاصةً بعد الاحتفالات الأسطورية التي أقاموها في عاصمة الفـرس القـديمـة بيـرسـوبـوليس وحضرها حشد من زعماء وملوك العالم واشتهرت بمظاهر البذخ الكبيرة التي رافقتها.
كـانـت الإمبـراطـورة تشـتهـر بـأنـواع الثيـاب والفساتين الملوّنة والمطرّزة التي صنعتها لها أشهر دور الأزياء في العالم ،وتزيّنها بأنواع من المجوهرات والأحجار الكريمة حتى أنّ أحد أنواع الدجاج الملوّن المعروف في العالم سُمّي فرح ديبا على اسمها . ـ
ـ تقول الحكاية : ـ
في قصر فرساي سمعت الملكة ماري أنطوانيت هـديـرَ الجمـوع الناقمة المندفعة لاقتحام أسوار القصر فخرجت إلى الشرفة لترى مصدر هذه الضجة التي تعكّر هـدوء القصر ، فرأت جموع الفقراء والجياع تصـيـح مطـالبـةً بـرأسـهـا ورأس زوجـهـا ، فسـألـت أحـد مـرافـقيهـا : ” مَـن هؤلاء ؟ ما بهم ؟ وماذا يريدون ؟ “ ، فأجابها متحرّجاً : “هؤلاء شعبك يا جلالة الملكة وهم يطلبون الخبز لأنهم يموتون من الجوع ” ،فردّت عليه بدهشـةٍ حقيقيّـةٍ تـؤشّـر على مدى عزلتها وافتراقهـا عن الواقع : ” إذا لم يجدوا الخبـز لماذا لا يأكلون الكعك ؟! “ ـ
فـي قصـر نيـافـاران أرادت الإمبـراطـورة أن تخـرج بنـزهةٍ في طهران ، فنصحها مرافقوها بركوب حوّامة كانت جاهزة لنقلها في باحة القصر، وعندما اعترضت وأبـدت رغبتهـا فـي الانتقـال بالسـيـارة أوضـحـوا لهـا أنّ الخـروج بالسـيارة فـي شـوارع طهـران مسـتحيـل لأنّ كـل الشـوارع مغلـقـة بسبب التظـاهـرات الغـاضـبـة ،فـاضـطـرت للانتقال بالحوامة ورأت بعينيها حجم المظاهرات المليونيَّة التي تجتـاح الشـوارع ،وبعـد عودتها سألت مرافقيها بسذاجةٍ مدهشة : ” وماذا يريد هؤلاء الغوغاء ؟ “ ، فجـاوبـوهـا متـحـرّجين بأنهم يريـدون إسـقـاط الشـاه ، فسـألتهـم : ” ولمـن هـم يتبـعـون إذن ، إذا لـم يتبعـوا الشاه ؟ ” ، فـأجـابـوها: ” إنَّهم يتبعون للخميني ” ، فعلّقت بجهل مطبق : ” ومن يكون هذا الخميني الذي تتحدثون عنه ” ـ
فـي فـرنسـا سـقط رأس الملك وزوجته بالمقصلة ، وفي طهران فرّ الشاه وزوجته بالطائرة ونجوا من المـوت بـأعجـوبـة ليقـيمـوا لاجئيـن فـي مصـر السـادات بعـد أن نبـذهـم كـل أتبـاعهـم ومـن نـافقـوهـم سـابقـاً من ساسة العالم .. ـ
الويل كل الويل لمن ينفصل أو تنفصل عن واقعه/ها أو ينفصـل عن شـعبه . ـ
عندنا مثلٌ شعبيٌّ يقول : ( مِش هاللَّه هاللَّه يا أوّلْتي ، هاللَّه هاللَّه يا آخِرْتي ! )
ـ وقـال الإمـام علـيّ : ” احـذر صـولـةَ الكـريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع ” ـ
ـ وأنــا أقــول مــا قــالـه عـمــرو بـن مـعـدي كــرب : ـ
لقد أسمَعْتَ لو نـاديـتَ حيّـاً .. ولـكـن لا حياةَ لمن تنادي
ولو نارٌ نفَخْتَ بها أضاءت .. ولكن أنتَ تنفخُ في الرمادِ


د. عمر عبيد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

تخليدً لآثار العظماء و مآثرهم كتاب يرصد الاخبار الصحفية المنشورة للملك سلمان بن عبدالعزيز من 1354هــ إلى 1407هـ

معـرّي اليمـن ” من العمى إلى البصيرة “