الياس ..آخر أغصان الشجرة الرحبانية

في ظل الشهرة الكبيرة للأخوين رحباني، بقي اسم الأخ الأصغر في الظل رغم أنه موسيقار عظيم أغدق الكثير من ألحانة على الأغنية العربية فترك اثراً بالغاً في الذاكرة اللبنانية أولاً والعربية ثانياً،
فمن لم يبتهج فرحاً مع أغنية كان عنا طاحون ع نبع المي …ومن لم يسرح في أحلامه مع رائعته عازف الليل .. إنّه الموسيقار اللبناني “إلياس الرحباني”.

وُلد إلياس حنّا الرحباني عام 1938م في قرية أنطلياس اللبنانية شمال بيروت، لعائلةٍ موسيقية فهو ثالث أعمدة أسرة الرحابنة رواد المسرح الغنائي العربي. أحبّ إلياس الموسيقى بشكل كبير بسبب أخويه، وكانت إصابته في يده اليمنى السبب ليتجه إلى الـتأليف الموسيقي بعد أن تخلّى أستاذه عنه.

درس إلياس الموسيقى في الأكاديمية اللبنانية، ثم في المعهد الوطني للموسيقى، كذلك تلقّى دروساً في تعلّم الموسيقى تحت إشراف أساتذة موسيقى فرنسيين لمدة 10 أعوام.

بدأت حياته الفنية بداية حقيقية في العشرين من عمره، حيث تعاقدت معه إذاعة “بي بي سي” (BBC) البريطانية في لبنان ليلحن 40 أغنية و13 برنامجا. وبعد 4 سنوات من العمل معها بدأ يتعاون مع المغنين المعروفين في ذلك الوقت، مثل نصري شمس الدين.كما عمل مخرجاً ومستشاراً موسيقياً في إذاعة لبنان، ومنتجاً موسيقياً في الشركات المنتجة للأسطوانات.

  و في بدايات الألفية الحالية تم اختياره  عميدا لأكاديمية روتانا لتعليم الغناء عند بداية تأسيسها، لكنه استقال سريعا من هذا المنصب، كما كان أحد أعضاء الشرف في الموسمين الـ10  والـ11  من برنامج ستار أكاديمي، وفي لجنة تحكيم برنامج سوبر ستار.

|إضافاته لـعالم الموسيقى والفن

لم يكُن لَحْنُ إلياس الرحباني يوماً اعتيادي، فهو دائماً مُتنوع ومختلف،  حيث انتقلت ألحانه من الأغنيات إلى المسرحيات الغنائية إلى الموسيقى التصويرية لـكثيرٍ من المسلسلات والأفلام العربية، وكذلك إلى الإعلانات الشهيرة.

لحّن إلياس ما يزيد عن 2500 أغنية ومعزوفة، ما يقارب الـ 2000 منها عربية، كما ألّف موسيقى تصويرية لـ25  فيلماً، منها أفلام مصرية، وأيضا لمسلسلات، ومعزوفات كلاسيكية على البيانو. ومن أشهر أعماله بمصر ، موسيقى فيلم “دمي ودموعي وابتسامتي“، وأفلام  “حبيبتي“، “أجمل ايام حياتي“و“هذا أحبه وهذا أريده“. أما أشهر أعماله للدراما اللبنانية “ألو حياتي“ و “لا تقولي وداعاً“، “عازف الليل“، و“ديالا“. كذلك لحّن ما يزيد عن 3000 إعلان أشهرها إعلان جبنة البقرة الضاحكة  “لافاش كيري” في ثمانينيات القرن الماضي.

اعتاد إلياس التعاون مع القامات الفنيّة التي أطربت مسامع الذوّاق العربي ، حيث لحّن العديد من أغاني الفنانة صباح، مثل “كيف حالك يا أسمر”،  “شفته بالقناطر”. و غنّى من ألحانه كل من وديع الصافي، ملحم بركات، نصري شمس الدين، وماجدة الرومي. كما تعاون أيضاً مع عدد من  فنانين جيل أحدث، منهم جوليا بطرس و باسكال صقر، وتُعد أغنية “بدي عيش” للفنانة هيفاء وهبي آخر أعماله عام 2005م.

أنتج الياس الرحباني ولحّن عدداً كبيراً من المسرحيات الغنائية، مثل سفرة الأحلام وإيلا، كما  صدر له ديوان شعري باسم “نافذة العمر” في منتصف التسعينيات.

ولا ننسى ألحانه الجميلة التي وضعها للصوت الملائكي فيروز  فقد لحّن لها الكثير من الأغنيات أشهرها “كان عنا طاحون“، “يا طير الوروار“، “الأوضة المنسية“،  و “يا لور حبك“.

“أتحدى العالم” من أغنيةٍ رومانسية إلى لحنٍ مسروق وقضية

صدرت أغنية “أتحدى العالم” في عام 2004م للفنان صابر الرباعي، وبسببها دخل إلياس في جدالٍ مع منتجي الأغنية حول اللحن، حيث قال بأن أجزاء منها مستوحاة من ألحانه، خاصة لحن معزوفة “نينا ماريا” الذي ألّفه في سبعينات القرن العشرين. رفض منتجو الأغنية التفاوض معه، مما دفعه لـرفع دعوى قضائية في القضاء اللبناني ضد الملحن والشركة  المنتجة “روتانا” بخصوص حقوق الملكية، وبعد تحقيقات أُجريت ربح إلياس الدعوى وأُلزمت الشركة المنتجة بسحب الألبوم ووضع اسم إلياس عليه.

|الطفولة جزء من ألحان الرحباني

لم تكن آلة إلياس الموسيقية حكرا على الكبار فقط، بل عزفت الكثير من الأنغام لـلأطفال فقدّم لهم أغنيات لا تزال ألسنة الأطفال والكبار ترددها منها “في عنا شجرة”، “كلن عندن سيارات”، “شتي شتي”، “يلا نعمر”، “طلع الضو ع الواوي”، “عيدك يا ماما”، و”عمي بو مسعود”.

حصاد الإبداع

نال إلياس الرحباني العديد من الجوائز خلال مسيرته الفنية، منها جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية، وجائزة عن مقطوعة “الحرب انتهت” (La Guerre Est Finie) من مهرجان أثينا عام 1970م، وشهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلامي بالبندقية في السبعينيات، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعتي بارينغتون بواشنطن، وأستورياس بإسبانيا.

|من الغياب عن “ساحة الفن” إلى الغياب عن “الحياة“

حضرالموسيقار اللبناني إلياس الرحباني ل بقوة في الساحة الفنية لأكثر من ستين عاماً ، وبعد أن اغتنت سيرته الفنيّة بـالكثير من النجاحات والألحان، غاب إلياس عن الساحة الفنية لـفترة طويلة بسبب اشتداد المرض عليه، وفي يوم الاثنين بتاريخ 4 يناير 2021م غاب عن الحياة أيضاً إثر إصابته بفيروس كورونا عن 83 عاماً، لـيغيب معه اللحن الأصيل والوتر الدافئ.

آلاء صبري