in , , ,

المدربون حلقة الوصل الأهم

م.آمال عبد الصمد

يضع الكتّّاب أفكارهم بلغة عالية المستوى موجهة إلى القراء والمثقفين، أي إلى نخبة تشكل نسبة ضئيلة من المجتمع، فتنشأ تلك الهوة بين المفكرين والمجتمع. فالعامة لا يتعاملون عادة بلغة الكتب. والمفكرين والمثقفين في عالمهم الخاص، الذي يقف على مسافة من هؤلاء العامة الذين يشكلون الأغلبية الساحقة في مجتمعاتنا العربية، هنا يأتي دور المدربين لسد الفجوة، فالمدربون هم صلة الوصل بين المفكرين والأدباء العظام مع بقية فئات المجتمع، إنهم الأشخاص الذين يحولون الأفكار إلى مهارات يمكن إيصالها إلى عامة الناس حيث ينقلون الفكرة المعقدة بعد تبسيطها ليستطيع أي كان تعلمها. إذاً لولا المدربين لبقيت تلك الأفكار الكبيرة على رفوف المكتبات.

  ولكن مهمة التدريب تتطلب جهداً كبيراً فقد يقضي المدرب شهراً كاملاً لتحضير يوم تدريبي واحد مقابل عائد لا يرقى إلى مستوى الجهد المبذول . فعلى أهميته، يبقى العمل التدريبي عمل غير ربحي يحتاج للدعم من مصادر عديدة أخرى. وقد يحدث أن يضطر المدرب أحياناً أن يختار بين أن ينحاز لنشر المعرفة على حساب جهده ووقته وبين أن يأخذ الأمر على أنه مادة للتسويق والربح.

فالعمل التدريبي المتقن يتطلب جهد متشعب وطويل الأمد لأجل تقديم مادة بمستوى جيد، من قراءة عـــدة كتب ثم تأتي تحضيرات العرض التدريبي التي تتطلب وقتاً طويلاً، فضلاًعن الجهد المطلوب للتدرب على الإلقاء يأتي بعدها تنفيذ العمل في المكان المناسب لتظهر المادة بأفضل صورة ممكنة. كل ذلك سيجعل أي أجر زهيد إزاء كل ما تم استثماره في هذا العمل،بالإضافة لفكرة هامة وهو أن للعمل التسويقي جوه البعيد تماماً عن أجواء الثقافة والفكر، كل ذلك يستدعي العمل مع المؤسسات لأجل نجاح التدريب.

وبالطبع نتحدث هنا عن العمل الأصيل. فللأسف لقد كثر المتطفلون على المجال ولم يعد من السهل تمييز الغث من السمين، فالتدريب قد أصبح مهنة من ليس لديه مهنة ، خاصة في البلدان التي ليس فيها ضوابط أو معايير واضحة لهذا العمل. كما أنّ وجود بعض المتسلقين ممن يأخذون مادة جاهزة وينسبونها لأنفسهم مما يحدث نوعاً من الإرباك الإضافي في هذا المجال. فهؤلاء لن يمنحوا تدريبهم قيمة حقيقية, فعملهم لم يأخذ منهم سوى النسخ واللصق . وفي الواقع عندما تدخل ما يسمى بسوق العمل ستخضع لمعايير هذا السوق، وهنا أكثرية الجمهور سيتجهون للتدريب الأقل كلفة، أياً كان مصدره. وحتى يحين الوقت الذي يكشفون فيه أصالة المدرب وحجم معرفته على الواقع سيكون الأوان قد فات وخسروا أموالهم وفقدوا الثقة بالتدريب ككل.

التدريب ودورات TOT

هناك فجوة كبيرة وهي الأهم حدثت في عالم التدريب . فدورة تدريب المدربين التي أطلقت منذ حوالي عقدين من الزمن, وهي دورات وضعت لتساعد المدربين على نقل أفكارهم بطريقة فعالة إلى الجمهور. ولكن هذه الدورة التي انتشرت بكثرة منذ بضعة أعوام أصبح معظمها ذا طابع تجاري . و هناك معلومة خطيرة تم تسويقها مؤخراً عبر بعض هذه الدورات تقول بأن كل ما على المدرب أن يعرفه هو أن يتقن فنون الإلقاء. أي مهما كانت مادتك التدريبية عليك ان تركز على كيفية طرح المادة بغض النظر عن غناها. ومن هنا أصبح المدربون يعتنون كثيراً بالإلقاء ولغة الجسد والألعاب التدريبية والمواد التي تبقي عقل المتدرب مركزا في القاعة. ونسوا الدور الأهم أنهم هنا ليعلموا الحاضرين شيئاً ذا قيمة، شيئا يفيدهم في التطبيق وليس مجرد استعراض مهارات فقط.

إذاً, بعد إدراك المجتمع لأهمية التدريب تأتي الفكرة الأهم وهي إدراك المدرب لمسؤوليته الشــــــخصية إزاء أهمية دوره, فالمعرفة مسؤولية ونقل المعرفة كذلك. والمدرب ملتزم بنقل مادة مفيدة ولا يجوز أن يستهين بعقول متدربيه وعليه أن يدرك أن هذه المهنة ليست بهذه البساطة وأنها تتطلب مخزون معرفــي كبير جدا واهتمام عميق بالهدف الحقيقي من وراء التدريب. فالمعلومات العامة أصبحت متاحة على النت مجانا للأغلبية، لذا لا يكفي أن تنقل لهم المعلومة بل عليك ان تعلمهم كيف يطبقونها وكيف يستفيدون منها وما الأخطاء المحتملة وما هي المحاذير. وهذا شيء لن تتقنه قبل ان تتعلم وتجرب وتطبق بنفسك وتنجح فيه قبل أن تنتقل لمرحلة تعليم الآخرين; لذلك لا بد من وضع الضوابط الحقيقية للعمل وهذه الضوابـــــط يجــب ان يضعها اشخاص يمارسون العمل على أرض الواقع كيلا ننتقل من مشكلة الفوضى لنعلق في مشاكل البيروقراطية.

ضمن كل تلك التعقيدات تظهر بوضوح حاجة العمل التدريبي لتلقي الدعم من قبل المؤسسات الكبيرة لكي يقوم بدوره في تنمية الأفراد والمجتمع على حد سواء . فلولا المدربين لبقيت الأفكار العظيمة طي الكتــب وظلــــت مهارات التطور الشخصي والمجتمعي حكراً على النخبة من المثقفين ولم تصل إلى الفئات الأخرى. أي الفئات التي كانت هي المستهدفة بالمقام الأول عندما طرحت هذه الأفكار. #قناديل نحو حياة أكثر حياة

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

الياس ..آخر أغصان الشجرة الرحبانية

كورونا والأسرة مزيد من التعاون والمرونة