يقين المرايا المستقرأة

مـحـي الـديـن مـلـك

قراءة في لوحة الأحبة – رينيه ماجريت

لعلك ، وأنت تتأمل مرايا الفن والأدب، لا بد أن ترتطم بالرؤى البليغـة التـي ترسم شهية الحياة وحدها
لهـذا ، ففـنّ الأدب ليـس مجـرد تـلاعـب بالكلمـات ، إنّـه يتطّلـب ” كلَّ شيء “، وهذا الـ ” كل شيء ” أوجـزه [ بورخس] ببلاغته الفريدة : ” بالنسبة للكاتب فإن هذا الكليّ، أكثر من كـلمـة شـموليـة؛ إنّـه حـرفـيٌّ يكـون فـي مـوقـع الـرئيـس بالنسـبـة للتجـارب البشـريـة الأسـاسـية ـ مثال ذلك ـ لأنّ الكاتب يحتاج إلى عزلة، وينال حصته منها، إنّه بحاجة إلى الحب، وينال حبّاً مشـتـركـاً وغيـر مشـترك، إنّه بحاجة إلى الصداقة، وفي الحقيقة يحتاج الكون”. والكون : كون الرجـال والنسـاء، تحـت أي درجـة يـحـتـاج الكـاتـب ، نـحـن نحتاجه لقول الأشياء الكبيرة بالطبع، ولكـن أيضـاً لقـول الأشـيـاء الصـغيـرة
هـذا الكـلام تـوضـيـح لسـلسـلـة مـن نصـوص إبـداعيّـة حيـث يـأخـذ الحـبّ فيهـا هيئـة سلّمٍ تصـاعـدّي يـبــدأ، ثـم يعلو في هيام، وفي حال لا تحدده لغة، وحـول هـذا المـعـنـى، يـقـول [ فـاتـح المـدرس ] : “لـلـعــدل ، مـا أشـعـر بـه هـو أنَّ هنـاك شـيئاً أعظم من الحب، لكن لا اسم له، ليس كلمة لغوية، ولا صوت، ولا تحكيم عقلي، ولا جنس، ولا عاطـفـة ، شـيء آخـر، وكـذلـك الحـبّ والصـداقة، وإذا كنت سـتسألني ما هو هذا الشيء الذي يشبه الصـداقة، فلن أجيبك ، أشعر به ولكن لا أجيبك علـيـه، وأنـا أرفـض صـيـاغتـه لأنّنـي عندما أصيغه يصبـح حبّاً، يصبح صداقة، وأنا لا أريده على هذه الشاكلة “ـ
تلـك هـي الـرؤيـة الخـلاقـة التـي تتجلـى فـي الفن والأدب، بل وفي اللغة التي لا أحسبها إلا “عرفانية” بحيث تمنح القلوب الحقائق في لحظات الاسـتغراق التام في اللـذة الـلامتـنـاهيـة وهـي بـلا رسـم، وبـلا ظـــل وبلا طلل، ولذلك قال : “ لا أريده على هذه الشاكلة “ـ
هكـذا، لأن ثمـة أشـيـاء يمكـن إدراكهـا حتـى وإن كـانت بعيدة عن مدركات الحس، وثمة أشياء أخرى، وأخـرى ، لا يمكـن إدراكهـا وإن كـانـت قريبة ، لذلـك قـال أيضاً : ” أشعر به، ولكن…” ربما، يكمن إيجاد المعنى في نسيان اللفظ أو الشكل ، ومـن هـذا القبـيـل يمـكـن النظـر إلـى أشكال فنيّة بعينها، حيث تتدفق الروح بسخاء لا مثيل له