in

“كوكوش” أيقونة الأغنية الإيرانية

"كوكوش" أيقونة الأغنية الإيرانية
"كوكوش" أيقونة الأغنية الإيرانية

جاء طوفان الثورة الإيرانية في السبعينات ليُغرق كل من يختلف مع أيدولوجيتها من قريب أو من بعيد، فلم يكن هناكَ منفذ للتنفس لمعارضٍ أو فنان، فالمعارض سيهوي بفكر الثورة السياسي، والفنان سيهوي بعقيدة الثورة النابعة من الإسلام بحسب منهجية القائمين بها، ولهذا نجد أن الكثيرين لاقوا مصيرين لا ثالث لهما، الأول هو أن يُصبح في عداد الموتى إن نبس ببنت شفة، والثاني أن يختار البعد عن أرض الوطن مهاجراً باحثاُ عن مأوى يحتضن فنه وفكره ليتخذه وطناً وهو مرغم، ومن بين المهاجرين المرغمين الفنانة الإيرانية الجميلة المعروفة باسم “كوكوش”.

لم تستطِع الثورة كتم صوت اللحن الجميل الكامن في حنجرة “كوكوش”، ولم تستطِع أيضاً أن توقِعها في بئر النسيان رغم انقطاعاتها الطويلة والاجبارية عن فنها الذي لطالما حظي بحب الكثيرين، فـ “كوكوش” بقيت في ذاكرة الفن ليس الإيراني فقط، بل وذاكرة الفن العربي والعالمي كذلك.

بدأت فائقة آتشين وهو الاسم الحقيقي للفنانة “كوكوش” حياتها الفنية من خلال المسرح وهي مازالت طفلة في الثالثة من عمرها مع أبيها الذي كان يعمل أكروباتا وممثلا مسرحياً الذي آمن إيماناً كاملاً لا يتخلله أي شك بموهبة ابنته في التمثيل والتقليد والغناء، حيث كانت لصيقة والدها الذي اعتنى بها عناية “فائقة” كما هو اسمها، بعد أن فقدت والدتها بسبب الانفصال.

ولدت كوكوش في طهران عام 1950م وكانت البدايات الحقيقة لمشوراها الفني وهي ابنة الخمس سنوات بعد أن اعتلت كرسي ليراها جمهور والدها الذي تركهم بشكلٍ مفاجئ بسبب مرضه، كانت كوكوش الحل الوحيد والأمثل لسد الفراغ الذي تركه والدها. بعد تلك الليلة عُرفت كوكوش أكثر وبدأ الجميع يتوافد ليشاهد هذه الطفلة الجميلة شكلاً وصوتاً تغني. في الثامنة من عمرها أدت أول دور تمثيلي لها في فيلم “أمل وخوف”، ثم توالت العروض على كوكوش لتصل أفلامها 25 فيلما كان آخرها عام 1978م.

تسببت البدايات الفنية المبكرة لكوكوش من حرمانها من التعليم الدراسي، لكن التفاف الملحنين الإيرانيين حولها محاولين استثمار هذه الموهبة الجديدة والمميزة في عالم الغناء الإيراني وموسيقى البوب في إيران، عوضها عن تركها للتعليم وأكسبها تعليماً آخر ربما هو أقرب إلى قلبها وحياتها الفنية التي عاشتها برفقة والدها. ولقد اكتسبت الفنانة الجميلة كوكوش شهرة واسعة وكانت محط أنظار الكثير من الشباب والشابات في الستينات والسبعينات، وذلك بسبب جمالها وأناقتها وحضورها الطاغي على المسرح.

انطلق صوت كوكوش يصدح ويطرب كل من يعشق الفن داخل وخارج إيران، انتقل صوتها إلى العراق بعد أن غنت بالعربية وكانت تباع أشرطة الكاسيت في الأسواق بكثرة، كما انتقل صوتها إلى باكستان وأفغانستان وغيرها من الدول. تنوعت أغاني كوكوش ما بين الرتم الراقص السريع، إلى أغانٍ ذات لحن شرقي، إلى أغانٍ رومنسية هادئة، وهذا التنوع في اللغات والألحان جعلها قريبة من جميع الأذواق وساعد على شهرتها أكثر.

كانت كوكوش في وقت حكم نظام الشاه محمد رضا بهلوي، رمزاً للحداثة والتوجه العصري  بسبب ما أحدثته من تحديث في الموسيقى المنتشرة في إيران آنذاك، ولأن كوكوش نموذجاً طابق أيدولوجيات نظام الشاه أصبحت مطربة العائلة المالكة والبلاط الإمبراطوري المفضلة وغنت في عدة مناسبات أمام الشاه وعائلته.

استمرّ نجم كوكوش بالسطوع شيئاً فشيئاً واستمرت بعطائها الفني دونما انقطاع، لكن مع قيام الثورة وهي في سن الثامنة والعشرين أجبرت على التوقف عن الغناء بالكامل في الثمانينات هي ومجموعة من الفنانين بحجة أن هذا الاتجاه من الفن يُعارض الدين ويُعارض عقيدة الثورة والحكم الجديد في أرجاء البلاد، ثم سُجنت لفترة وتم إطلاق سراحها فيما بعد، كما سُحبت منها كل أوراقها ومُنعت من السفر لسنواتٍ طويلة، وفي عام 2000م غادرت كوكوش إيران بشكل نهائي قاصدة الولايات المتحدة الأمريكية التي عادت فيها من جديد تمارس فنها وتطرب محبيها.  

في عام 2009 وبعد ما سُمي بالثورة الخضراء في إيران، شاركت كوكوش في وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة للتعبير عن تضامنها مع أمهات من قتلوا برصاص قوات الأمن الإيرانية آنذاك، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في التظاهرات التي أعقبت خسارة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في انتخابات الرئاسة. في الأعوام التالية، طافت كوكوش دولاً عديدة مستقطبة جمهوراً واسعاً، إذ أقامت حفلات في كردستان العراق، ومسرح ألبرت هول الشهير في لندن، ومسرح نوكيا في لوس أنجلوس. ومنذ عودتها إلى الغناء، أصدرت كوكوش سبعة ألبومات غنائية تنوعت ألوانها بين الأغاني الشرقية الطابع والغربية الإيقاع. في ألبومها السادس “إعجاز E’jaz“، لحنت كوكوش قصيدة لجلال الدين الرومي اسمها “أنا وأنت Bi manoto” وحرصت فيها على إعطاء كلمات الحب الشاعرية لحناً مغرقاً في روحانيته وشرقيته.

بعد كل هذه الرحلة الجميلة والصعبة في ذات الوقت، لم تفقد كوكوش طاقتها وجمالها وحضورها الطاغي على المسرح، مازالت المرأة الموهوبة التي تُعطي صورة رائعة عن إيران الحضارية التي حاولت الثورة طمسها وإخفائها.

آلاء صبري

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0
عاصي الرحباني وفيروز

فيروز وإيام الشتي

هل تعاني من الأرَق