in

إيرين باباس “اليونانية التي أحبها العرب”

هل ننعى ببالغ الأسى “مبروكة” المرأة الليبية المناضلة، أم نتناقل خبر وفاة “هند بنت عُتبة” بصيغة تحمل الكثير من الشماتة والبرود، أم ربما علينا أن نستذكر سفيرة النوايا الحسنة الحسناء التي غدرت بها آرائها السياسية وألقت بها في المنفى، في الحقيقة الكثير من المشاهد تطال ذاكرة من يعرف الفنانة إيرين باباس بعد إعلان وزيرة الثقافة اليونانية وفاتها واصفة إياها بأنها  تجسيداً للجمال اليوناني على المسرح وشاشات السينما.

اليونانية “إيرين باباس” من وإلى

وُلدت إيرين مارلين باباس “ليليكو” في 1926، وكانت على صغر سنها إلا أنها تنجح دائماً في إبهار من حولها، أحبت الفن والأدب والتمثيل ولتدخل إلى هذه العوالم أكثر التحقت بمدرسة المواهب ومن مسرح إحدى المؤسسات التعليمية كانت انطلاقاتها حيث كانت تؤدي أدواراً هناك. بدأت حياتها الفنية كممثلة منوعات ومغنية حيث اشتركت في واحد من البرامج الغنائية المشهورة وحصلت على المرتبة الأولى فيه رغم معارضة عائلتها لها.

يُعتبر فيلم “المدينة الميتة” عام 1951 مدخلها للسينما اليونانية، لتظهر بعده في مجموعة من الأفلام السينمائية اليونانية والفيلم الإيطالي الشهير “رجل من القاهرة” عام 1953، كانت هذه البداية القوية كافية لتجعلها تُشارك فنانين من الصف الأول في السينما العالمية في أعمال شهيرة أهمها زوربا اليوناني ومدافع نافارون التي أدتها باحتراف إلى جانب أنطوني كوين.كما أدت باباس أدوار البطولة إلى جانب كريتشارد بيرتون وكيرك دوغلاس وجيمس كأغني وجون فويت.

وحصلت إيرين باباس على عدد من الجوائز، من بينها جائزة أفضل ممثلة عام 1961 في مهرجان برلين السينمائي، وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية عام 2009 عن مجمل مسيرتها الفنية.

لقاءٌ نادر وأقوالٌ تُصيب قلب الفن

في واحد من لقاءات إيرين باباس النادرة في القاهرة حيث يتم تكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2002، هناك بين زحام الأفلام المُختارة بعناية وتهافت الفنانين للحضور، تُعبّر  إيرين عن استيائها من ضعف علاقتها بالسينما العربية وتُبرر ذلك بهيمنة السينما الأمريكية وإحكام قبضتها على الشاشات. 

وبعد أن غافلتها المُحاوِرة بسؤالٍ عن سر براعتها في تأدية أدوار الأمومة بشكل خاص على الرغم من أنها لم تكُن أماً في يوم من الأيام، تجيب إيرين بأنّ الفنان الحقيقي هو من يتقن كل الأدوار المعروضة عليه طالما أنه مقتنع بها. وتذكر إيرين أنها هي من اقترحت اسم الفنان العالمي “انطوني كوين” ليشاركها بطولة فيلم Z المأخوذ عن رواية اليوناني فاسيلي فاسيليكيوس.

وبنبرة واثقة وبدون استياء تُكمل الرد على المُحاوِرة حول تأديتها لأدوار محدودة الظهور قليلة الحوار قائلة ” التمثيل هو التمثيل، ولقطة واحدة مثل مائة لقطة، المهم هو إجادة الممثل لدوره وقدرته على إقناع المشاهد وإيهامه بالشخصية التي يؤديها، وأن يستطيع التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي يتطلبها الدور”. 

تتنقل المحاوِرة مُسرعة مستغلة وجودها مع الفنانة إيرين بين موضوعات عدّة لتصل إلى المخرج الراحل مصطفى العقاد وعن مكانه بين المخرجين الكبار بالنسبة لها لترد بأنها تعلمت منه الكثير كما تعلمت من غيره وأن مشاعرها تجاه أي مخرج تكون مُحمّلة بالمسؤولية والترقّب.

إيرين باباس وأنطوني كوين ومصطفى العقاد “الثلاثي الكنز”

شكّلت إيرين مع أنطوني كوين والمخرج الراحل مصطفى العقاد ثلاثي عظيم أخرج لنا تحفتين سينمائيتين، تعرّف من خلالهما المشاهد العربي على اثنين من عمالقة الفن العالمي، وكانا المدخل لقلبه. ويُعتبر فيلم “الرسالة” المُنتَج عام 1976 التحفة الأولى التي صوّر فيها العقاد مستغلاً احترافية إيرين وأنطوني قصة الرسالة النبوية والإسلام، حيث تلعب فيه اليونانية باباس دور “هند بنت عُتبة” زوجة أبي سفيان والتي حرضت وحشي على قتل حمزة عم رسول الله، ويبدو أن العقّاد قد ذاق حلاوة العمل مع الثنائي “باباس وكوين” ووقع في حب أدائهما فسارع لجمعهما مرة أخرى في الفيلم الملحمي التاريخي “أسد الصحراء” عام 1981في محاولة منه حصد نجاحاً آخر وبالتأكيد أنه نجح نجاحاً ساحقاً في ذلك، فقد حصد العمل نجاحاً غير مسبوق واستطاع من خلاله عرض نضال القائد الليبي عمر المختار في محاربة جيش موسوليني الطلياني، وقد لعبت إيرين في هذا العمل دور “مبروكة” المناضلة الليبية ضد نفس العدو.

خانتها ذاكرتها وستخلدها ذاكرة السينما

ينجح دائماً الفن في إبقاء الأشخاص الذين يستحقون في الذاكرة، يُغلق عليهم أبوابها ويجعلها تنمو دون أن تتأثر هذه الشخصيات أو تموت، يمُر الزمان ويتغير المكان، لكنه لا يفشل أبداً في الحفاظ على وجودهم، إنها مُخلصة تُمسك بأتباعها دون إفلات وتُدافع عنهم حتى اللحظة الأخيرة. هذا ما سيحصل مع “إيرين باباس” أيقونة الفن اليوناني وشريكة أكثر فناني هوليود نجاحاً. تقول الأخبار أن باباستُوفيت بعد إصابتها بمرض “الزهايمر” في السنوات الأخيرة، يبدو أنّ تآكل الذاكرة، ضبابية الأشياء والأشخاص من حولها، غرابة المكان وقدِم الزمان، كلها أوقفت باباس على حافة الموت لوقتٍ طويل حتى جاء وقته، معلنة عنه الوزيرة بتصريح يؤكد الخبر مع الأسف.

عزاء محبي باباس الوحيد، أنّها لن تُنسى، ستبقى معهم في كل عمل يرونه، ملامحها وإيماءاتها، الدور الصامت والآخر المليء بالكلام، المشهد المُزدحم بالحب والآخر المؤلم لفظاعة الشر فيه، في كل مرة ستكون إيرين حاضرة تُحاكي محبيها.

آلاء صبري ..،

Written by Fadhaat

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

الأمير د. فيصل بن محمد يدعم الفن السعودي في يوم الوطن

فروع “جسفت” في أرجاء الوطن تتفاعل مع مناسبة اليوم الوطني