in ,

“أحمد خالد توفيق” رائد الفانتازيا العربية

آلاء صبري

الطبيب الذي جعل الشباب يقرأ، ذلك الغريب الذي كانت إقامته قصيرة جداً، هو الذي خاف الموت قبل أن يحيا، وهربت شخصياته منه إلى عالم الأشباح، إلى الفانتازيا، إلى أحراش أفريقيا، هو البداية الحقيقية لأدب الرعب في العالم العربي، وصاحب روايات مصرية للجيب، العرّاب كما يلقبه محبوه، إنّه الكاتب” أحمد خالد توفيق”.

في تسعينيات القرن الماضي لم يكن  صاحب الفكرة والقلم شيء المُبهر في أوساط امتلأت أدمغتها بحب الشاشات والأقنعة، يعني أن يُثمر ما في رأسك من فِكر عن متشوقين لحرفكَ في ذلك الحين ليس بالأمر الهيّن. أحمد خالد توفيق يُعد من أكثر الكتّاب الذين أثّروا في ذائقة الشباب العربي بتلك الحقبة من الزمن، لقد كان أشبه بطوق النجاة لفكرة قراءة الشباب وقتها.

بين الطب و الكتابة “قصةٌ مُثيرة

مدينة طنطا بمحافظة الغربية بمصر هي مسقط رأس أحمد خالد توفيق، حيث وُلد فيها في العاشر من يونيو/حزيران عام 1962م. تخرّج أحمد في كلية الطب عام 1985م في جامعة طنطا وحصل على درجة الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997م، والتحق كعضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في طنطا.

كان أحمد خالد توفيق مهتماً بالكتابة، شغوفاً بها، وكان يطمح لأن يكتب لجيل الشباب بعيداً عن كآبة السياسة في بلادنا العربية. بدأ كاتباً للقصة القصيرة منتهجاً تيار الواقعية الاشتراكية، متأثراً بكتابات كلٍ من مكسيم غوركي وأنطون تشيخوف كما صرّح في أحد لقاءاته.

لعلّ أكثر ما ميّز أحمد خالد توفيق عن غيره من الكُتّاب هو بساطة أسلوبه في السرد واختياره لمفردات سهلة، لكن يبدو أن الكثيرين لم يعتبروا هذه ميزة، حيث تعرّض الكاتب للكثير من الانتقادات بسبب أسلوبه لكنّه ردّ مبرراّ بساطة كتاباته قائلاً “إن الكتابة لا يجب أن تعذب القارئ أو تشعره بالهزيمة أو الفشل”.

إنّ الأغلبية في عالم الأدب ترى أنّ الكتابة مشروعٌ يضع فيه الكاتب آراء جمهوره وشخصياتهم ويُنتج من خلالها كتباً تدرّ عليه شهرةً وأرباحاً، لكن هذا لم يكُن رأي أحمد خالد توفيق فهو ينظر للكتابة من منظور أعمق، منظور فلسفي بعض الشيء، يرى الكتابة معالجة للاضطرابات النفسية التي يُعاني منها الكاتب، كما أنّه يرى الكاتب الناجح والشغوف هو من يكتب لنفسه أولاً وليس لجمهوره، وقد صرّح في أحد لقاءاته أن من يكتب لأجل جمهوره يدخل في دائرة الابتذال والافتعال.

مـن “أسلوبكَ ركيك” إلى لقب “العرّاب”

خيبة الأمل كانت من نصيب بدايات الكاتب الأدبية ، حينما توجّه إلى المؤسسة العربية الحديثة عام 1992م حاملاً معه أولى رواياته “أسطورة مصاص الدماء”، لكنّه تلقّى كمّا هائلاً من الإحباط بعد أن وصفوا روايته بأنها ذات أسلوب ركيك وغامض، كما نصحوه بأن يتوجه إلى الكتابة في الأدب البوليسي، لكنّ “أحمد المقدم” أحد مسؤولي المؤسسة العربية الحديث نظر إلى الرواية بعينٍ مختلفة ونصحه باستكمال الكتابة في أدب الرعب كما ساعده في مقابلة “حمدي مصطفى” مدير المؤسسة والذي عرض قصته على لجنة لاستبيان قوتها، لكنّ اللجنة لم يكُن رأيها مختلف عن التي قبلها، حيث انتقدت فكرة الرواية وأسلوبها، ثمّ أعاد عرضها على لجنةٍ أخرى والتي أثنت على أسلوب الكاتب ووصفته بالممتاز، فصدرت هذه الرواية من ضمن سلسلة روائية طويلة والتي استطاع من خلالها أن يكسب لقب العرّاب عن جدارة.

سلسلة “ما وراء الطبيعة” مَدخل الرعب إلى الأدب العربي

سلسلة تعد بداية الكاتب في عالم الأدب حيث بدأ إصدارها عام   1992م وكان آخرها عام 2014م. “روايات تحبس الأنفاس من فرط الغموض والرعب والإثارة” هذا هو شعار هذه السلسلة الذي كان أحد أهم أسباب تحفيز القُرّاء على قراءتها.  تدور أحداث هذه السلسلة حول ذكريات شخصية خيالية لطبيب أمراض الدم المصري “رفعت إسماعيل”حول سلسلة حوادث خارقة للطبيعة يتعرض لها في حياته، أو حكايات تصله من أشخاص مختلفين حول العالم سمعوا عن علاقته بعالم الخوارق، ويُعتبر التعامل مع الخوارق سواء اشتملت الرواية على أحداث مرعبة أم لا من أبرز سماتها. “رفعت” ليس البطل الوحيد لكل حكايات هذه السلسلة، حيث في كثير من الحكايات يكون دوره سرد الخطابات التي وصلت إليه فقط والتي تكون عبارة عن قصص خارقة ومخيفة، وتحكى أغلب حكايات السلسلة بضمير المتكلم، كما يتنوع شكل السرد فيها بين الخطابات المتبادلة، أو قصاصات من صحف، أو حكايات متصلة وكذلك قصص قصيرة، ولقد تبنت هذه السلسلة شركة العالمية نتفليكس ليتم تصويره كمسلسل مقسّم إلى مواسم وقد تم عرضه عبر منصة نتفليكس في الخامس من نوفمبر 2020م.

أعماله كلها مهمّة

حياة تـوفيق الأدبية لم تكُن واقفة عند حد الروايات فقط، بل تنوعت ليكتب عدة مجموعات قصصية منها مجموعة قوس قزح، والغرفة رقم 207، وحظك اليوم وغيرها. كما امتدّ قلمه لينال المقال حظاً وافراً من حبره وفكره منها سبعة وجوهٍ للحب، وعشاق الأدرينالين، ودماغي كده، وفقاقيع وكلها عبارة عن مجموعة مقالات متعددة. أمّا عن تجربته في عالم الترجمة فقد أثمرت عن ترجمة أربع روايات، رواية “نادي القتال” لتشاك بولانيك، ورواية “ديرمافوريا” لكريج كليفنجر، ورواية “كتاب المقادير” لنيل جايمان، وأخيراً رواية “عدّاء الطائرة الورقية” لخالد حسيني.

وأيا يكن ما كتبه فلا يوجد عمل للكاتب مركون على رف المكتبة ينتظر فارغاً يريد شيئاً يلتهي به فيلتقطه ليُخبّئ فراغه وراء غلاف كتاب وقعت يده عليه، إنّ كل من يقرأ لـتوفيق يعلم قيمة كل حرفٍ يقرأه، بدايةً من رواية “يوتيوبيا” التي صدرت عام 2008م، وهي رواية اجتماعية يتحدث فيها الكاتب عن حال مصر عام 2023م حيث تنقسم مصر إلى طبقتين إحداهما تعيش في ثراء فاحش وأخرى تعاني الفقر وضنك العيش، والتي تُرجمت للألمانية والإنجليزية والفرنسية وللفنلندية، ورواية “السنجة” التي صدرت عام 2012م والتي تعتبر خليط من الفانتازيا والواقعية، ورواية “مثل إيكاروس”  التي صدرت عام 2015م والتي تدور أحداثها في عام 2020م حول ثمن معرفة المستقبل، والتي نال عنها جائزة الرواية العربية في معرض الشارقة الدولي للكتاب  عام 2016م ،ورواية “ممر الفئران” التي صدرت عام 2016م ويقول الكاتب عنها أنها مستوحاة من قصته، وغيرها الكثير من الروايات.

“كلّ شيءٍ ينتهي” هذا ما قاله الكاتب في روايته “أسطورة النبوءة”، ولأن الموت هو النهاية الحتمية للجميع، أنهى الموت حياة أحمد خالد توفيق مبكراً عن عمر ناهز 55 عاماً إثر أزمة صحية مفاجئة، حيث توفي في الثاني من أبريل/نيسان عام 2018م. تاركاً وراءه إرثاً لا ينسى  فالقارئ العربي لم يعتَد على هذا النوع من الكتابة في الأدب المتاح له، فغرابتها عن المألوف كان أكثر ما جعل كتابات أحمد خالد توفيق ذات تأثير قوي على قُرائها .

Written by فضاءات

What do you think?

29 points
Upvote Downvote

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

“السليمانية” الشام في قلب الرياض

الجزيرة التركوازية