in , ,

يوم للمرأة ..وماذا عن باقي أيام السنة؟


 تكريم للمراة أم انه مجاملة مخملية للتغطية  على قصور الواقع . شعارات رنانة تطلق على الملأ بانها ملكة وبانها تاج وبانها نصف المجتمع , وأنها تشغل نسبة كذا من المقاعد , تأتي إلى  الواقع  الفعلي فالأمر يختلف كثيرا    

 يأتي من يقول لك : لقد أصبحنا بحاجة  ليوم للرجل فقد أخذت المراة من الحقوق ما يزيد عن الحاجة , عن أية حقوق نتحدث و نحن مجتمع مقموع . الرجل بحد ذاته لم يأخذ إلا جزء من حقوقه  فكيف بالمراة .

حالات كثيرة تجاوزت الحدود المعتادة وأصبحت تملك القرار ولكنها ضئيلة نسبياً ,فمهما قلنا عن التطور , ما زال المجتمع يسمح  للرجل أي رجل أن يحجر على أية امراة من النساء المحيطات به لو أراد ذلك لك, فلديه هذه السلطة  ممنوحة من مجتمع قاس جداً تجاه من يخرق القوانين , وعندما اقول المجتمع هنا  انا لا اتحدث اليوم عن الرجال بل أقصد النساء والرجال معاً  لأنه للأسف لا زالت الكثيرات جدا من النساء عالقات في هذا المستنقع ومستعدات للتآمر على النساء الأخريات ممن أردن الخروج من الإطار

فالرجال والنساء العصريين محكومين بالفكر السائد المتأثر بالتقييمات والمعايير الأبوية . ببساطة لأن مجتمعنا خاضع لأحكام الرجال ولم ترقَ  النساء بعد إلى مكانة تعطيها الحق بسن القوانين .

التفكيرالأبوي  يتضمن الحركة والتغيير ,مع التفكيرمن خلال مصلحة الفرد او المصلحة الشخصية  والسعي لإثبات القوة والملكية  وفرض السلطة والتحكم بالطبيعة وتسخيرها واستغلال الحيوانات حسب رغبة الإنسان بهدف تحقيق الربح  بغض النظر عن الضرر  الحاصل  اوالعواقب او الوسائل المستخدمة لذلك .

بمقابله هناك التفكير الأمومي الذي يعتني بروح الجماعة لمصلحة الجماعة والعمل مع الطبيعة واحترام قوانينها  و ومكوناتها بنفس الدرجة بلا استثناء أي  باختصار التعامل مع الكون كانه اسرة واحدة .

بداخل كل منا توجد هاتين الطريقتين  بنسب متفاوتة  وليس بالضرورة حسب الجنس رغم ان اكثر أتباع الطريقة الأولى هم من الرجال وأكثر النساء تتبع الطريقة الثانية على الأغلب ومع هذا , فقد ترى رجال يفكرون بالطريقة الأمومية  كما قد ترى ان نسبة عالية من النساء أصبحت تتبنى التفكير الأبوي  لأنه هو المسيطر  حتى الآن على  عالمنا الحالي .

كلتا الطريقتين بالتفكير مهمة ومكملة للأخرى  والمشكلة حدثت  انه على مدى عصور طويلة من حكم الرجال حسب قوانينهم  أصبح هناك طغيان للتفكير الأبوي وقهر وتغييب للتفكير الأمومي  بشكل قسري وحادّ حتى أصبح رأي النساء  بلا قيمة  ولا حسبان و أصبح ينظر للسعي للوئام على أنه ضعف ومهانة والحب رومانسية لا وجود لها

الحياة المتوازنة تتطلب الطريقتين الأبوية والأمومية لتستمر فغياب إحداهما  يتسبب بتغيير ونمو غير متوازن  مع الوقت . فالكون يميل ليوازن نفسه بنفسه ومقابل كل تطرف يخلق تطرف مقابل و عدم التوازن هذا أودى بالنهاية إلى التحكم بالبشر أنفسهم واستغلالهم حتى بلغ  حد قتل  البشر بالآلاف .  ما أوصل الأرض  حافة الدمار بسبب طريقة غير متزنة بالتفكيروالسلوك لهذا أصبح لزاماً على كل شخص ان يسعى من مكانه لإعادة هذا لتوازن

الأمر بحاجة لنظرة اعمق قليلا من الصراع بين الرجال والنساء  فلأمر  ليس مقارنة بينهما  فالتصنيفات بكل أنواعها  تفرق وتضعف   فإذا كان هدفنا  مجتمع أفضل يجب ان نخرج من دائرة التصنيف و ننظر للمراة والرجل على انهما كائنين متكاملين  لديهما ذات الكفاءة الفكرية والجدارة  ولكنهما مختلفين  بالصفات ولا يجوز لنا تقييم  النساء على مقاييس الرجال ولا العكس فاي تقييم على مقياس احد الجنسين يظلم الجنس الآخر

المرأة والرجل كائنين مختلفين  من حيث الموقف من الأمور التفكيروالأولويات والأهداف  والسلوك لذلك يعملان بطريقة تكاملية وغياب دور أي منهما يجعل الاستمرار صعبا  ,  فمقابل قوة الرجل الجسدية وقدرته على الحركة والانتقال السريع للأمام دون حساب العواقب ياتي دور المراة بمنح الاستقرار والتمهل  ومنح الإنجازات الفرصة بالإثمار والانتباه للتفاصيل الصغيرة التي قد تسبب لاحقاً تقويض كل إنجاز .ولولا النساء لكانت إنجازات الرجال كقصور الرمل سريعة الانهيار ,

ففي حين يدفع الرجل الخطوة للمستقبل  تعطي المرأة اهتمام للتجذر بالحاضر لكي يثمر وبدون هذا التكامل سيكون تطور الحياة غير متزن ولا مستدام . وهنا قد يلزم إعادة تعريف لمصطلحات مثل إنجازات وحضارات وتطور  أصبحت عرضة للكثير من التساؤل حول ماهيتها , وما هو التطور وكيفيته وهل نحن حقا نتقدم او نتراجع في ظل عجلة التكنولوجيا التي تسحق روح الإنسان حتى وصلت إلى مرحلة القتل الجماعي على طول الأرض وعرضها .

المقصود هنا هو النساء فعلى عاتقهن تتكئ سرة الكون ولديهن مفاتيح  الحياة  والبدايات وصناعة الإنسان ولأنهن محور وعماد الأسرة التي بمجموعها تشكل المجتمع

النساء لم يكنّ يوماً كائنات ضعيفة ,  ولكن لكثرة ما تمت إحاطتهن بالحجر والرعاية المحكمة أصبحن في عمقهن يعتقدن فعلا انهن غير جديرات وهذا موروث طويل جداً تم إدخاله عبر آلاف السنوات (تحديدا منذ بدء الديانة اليهودية التي قلبت الحقائق ونسبت للمرأة كل الشرور لتحييدها عن مكانتها العظيمة التي كانت تقف بوجه  تحقيق غاياتهم السياسية  بالسيطرة أكثر وأكثر على العالم )

و المرأة التي كانت الأقرب للطبيعة  والتي تعين الرجل على الحياة الفعالة بعقلانية , أصبحت توصم بالنجاسة والكيد و هي الساحرة الشريرة المخيفة في حين ان كل ما يخيف منها حقاً انها كانت تقف بوجه تفريق البشر عن بعضهم بجعلهم يعتقدون انهم منفصلين  وهكذا تم بالتدريج جعل البشر  سجناء اوهام اختلقوها لهم عن  خطاياهم وعجزهم  وانفصالهم عن الطبيعة وعن  الروح الكلية . حتى وصل الأمر الآن لطريق مسدود فالشعور باليأس امتد إلى حد فقدان الأمل بغد افضل,

الجانب الجيد هو  بؤر النور التي تضيء هنا وهناك وتتسع شيئا فشيئا مبشرة بعهد من الإنسانية الجديدة التي ستتجلى بعد حين حتى لو تاخر الوقت قليلاً

يبدا الحل من النساء أولا ومن الرجال ثانياً :

ما لم تؤمن المرأة بنفسها أنها كائن خلاق قادرعلى النمو ورعاية من حولها وأنها جديرة بالحرية بموازة المسؤولية  فلن يتغير أي شيء , يجب أن تثق المرأة بنفسها وتقدر ذاتها وملكاتها أولا لكي  تستطيع إقناع الآخرين باحترامها ومنحها ما تريد  ,  من جهة اخرى ليس المطلوب من الرجل ان يساعد المراة على التحرر لأجل المراة . بل عليه ان يحررها لأجل نفسه , فامرأة تربّت على القهر و تتم معاملتها على انها كائن غير مكتمل العقل سيستحيل عليها تربية ابناء واثقين بانفسهم  أو جديرين بحياة الحرية والمسؤولية بالمعنى الصحيح للكلمة وما لم تفعل ذلك سيبقى نصف المجتمع نائم

وسنبقى تنتج اجيال قاصرة وغير فعالة لأن العبدة لن تربي حراً مهما حاولت وستنقل لإبنها الذي تربيه  كل اعتقاداتها الدفينة عن نفسها وعن الحياة من مشاعر  العجز والاستسلام والقصور وعدم الكفاءة التي تشعر بها .

وهذا يفسر ببساطة حالة العجز المدمرة التي تتسم بها مجتمعاتنا ولن نتخلص منها ما دام دور المراة غائب وما دام رأيها لا يؤخذ بالاعتبار .أما على صعيد المجتمع وتفاصيل الحياة فالأمر ليس بالمساواة مساواة مع من؟   ولأجل ماذا  ؟

كل ما هناك أن على هؤلاء الذين يعرقلون القوانين التي تحرر المراة ان يثقوا بانفسهم كفاية , كيلا يعتقدوا أن المرأة الحرة  تشكل خطراً عليهم ففي تحرر المراة تحرر مضمون للرجل

من جهة أخرى ليس المطلوب من الرجل  أن يساعد المراة على التحرر:   فهذه مهمتها هي ذاتها

عليه فقط التوقف محاربتها في سعيها لأن في هذا السعي مصلحته هو  شخصياً

ليس المطلوب المساواة  إذا بقدر ما هو مطلوب تكافؤ الفرص  فهو الذي يساعد على إظهارالأفكار لتنمو ببيئة راعية تساعد على استعادة الخسائر الكبيرة التي خسرناها وما زلنا

فإذا منحنا ما يكفي من الاحترام  للمراة فهذا ليس فضلا وهبة من الرجال بل واجب عليهم لأنها تستحقه , هذا لو أرادوا إنقاذ المتبقي على وجه الأرض و لم تصل إليه لوثة الحرب والتطرف بعد

لا تحتاج المراة للتكريم  أو الشفقة  أو المبالغة بالرعاية  بقدر ما تحتاج لاحترامك لعقلها  اولا فهي إنسان وليست ايقونه  , فلا داعي للتقديس  ولا  للتحطيم فكلاهما يضر بها , إنها قادرة على العطاء والإدارة  تحت اية ظروف مهما كانت قاسية ومهما كانت متألمة  ولكنها عندما تعطي وتحب وتدير من موقع الضعف سيكون  كل الهيكل مضعضع ولن تبدع ولن تقدم كل طاقتها ,
فبدون حرية سيبقى كل ما تقدمه لك بنكهة و طعم السجن وروحه
وكم هناك من فرق بين العطاء من منطق الإجبار والضعف والحقد  ,وبين العطاء من موقع الثقة والقوة والمحبة

فكما اننا نريد نشر فكر المحبة والعطاء  لنتذكر ان المرأة هي اول وأهم مصادر المحبة  والعطاء بهذا الكون

آمال عبد الصمد


Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

نزل فينان هدوء لا يشوبه صخب الحياة

2 ما لا يخبرونك إياه عن السمنة