فضاءات
ذات مرّةً كنت أقودُ السيارة َعلى طريقِ سفرٍ بنفسي ؛ والسائقُ إلى جانبي ، حيث كان متوعّكاً صحيّاً . رفعَ بدويٌّ يدَه ، توقَّفتُ ، عرفتُ أنه يريد أن يركبَ لمسافةٍ قصيرة, و لما ترجَّلَ ، قالَ باللهجة البدوية : ويش تريد ؟ (أي : ماذا تريد كأجرة ) ، قلتُ : “هاتِ مامعكَ” ، فناولني فراطة ( بضع ليرات سوريّة) . ضحكتُ ، وقلتُ : أوليس المبلغُ بقليلٍ ؟.. رفعَ صوتَه قائلاً : ” كلّها كم كيلومتر “.
قلتُ : “لكن هذه سيارةُ وزير !”.. فاقتربَ منّي ، وسألَ : “أي وزير؟!.” أجبتُه : “وزير الزراعة” ، ابتسمَ ، وانفرجتْ أساريرُه ، وأعطاني حوالي 50 ليرة ، وقال : ” إذا تقدر تجيب الوزير، وأعزمه لعندنا ، ونذبح له خروف والك أنت السائق 200 ورقة (ليرة) سورية وشوية جبنة ” ..
سألتُه : “و ماذا تكسبُ ، إذا ذبحتَ ، وأقمت وليمةً للوزير ، وأعطيتَني أنا كسائق 200 ليرة
ضحكَ, وضحكَ. وقالَ لي هامساً : “بعد الغداء.. ويروِّق الوزير، أعطيهِ ورقة ، ويوقِّع لي استثناء ، وأحصل على كمية من العلف ، و أبيعها في السوق السودا (السوداء) وأربحُ فيها أكثر من الخروف ؛ وكلّ الوليمة” .
. ألَمْ أقلْ لكم ؛ أعزّائي ؛ أن السوريَّ اقتصاديٌّ بالفطرة ؟!! وهو لا يحتاجُ لأسواقِ المال ؛ والسؤال عن سعرِ صرفِ العملات !
ففي هذا الموقف ا تجسيدٌ حقيقيٌّ لمدى علم البدوي بما يجري وإن كان بلا علمٍ ! . ستسألني : “كيف ذلك “، وسأجيب بمنتهى البساطة هذا بدوي بسيط يعيش حياة لا تعقيد فيها ؛ لقد أخذ علمه من بيئته البسيطة ، من احتياجات عليه تأمينها ، أخذه من أهله ؛ فهو يعلم بالفطرة .
ويعي تماماً آلية تسيير عجلته الاقتصاديّة بعيداً عن المعادلات الرياضيّة والحسابيّة .. مثال بسيط يحكي حال السورييّن ،فهم معتادون أيضاً على التحايل على واقعهم وتغيييره نحو الأفضل … فمن قال لك أن الراعي جاهل لأنه لم يذهب إلى جامعات الاقتصاد .إنه مُدرِكٌ تماماً منْ أين تُؤكلُ الكتف
د.نورالدين منى
17-6-2016
عن الكاتب : د نور الدين منى أ ستاذ جامعي شغل منصب وزير الزراعة في سوريا لسنوات عدة
كل الشكر للدكتور والروفيسور الراقي والمبدع نور الدين منى بكتاباته التي تحاكي الواقع…
اهلا شكرا لمروركم
كل الشكر للدكتور والبروفيسور الراقي نور الدين منى على كتاباته التي تحاكي الواقع الذي وصل اليه المواطن السوري
د نور الدين قامة وطنية هامة شكرا للإضافة