in , ,

في ذكرى حاتم علي

“خدها تفاحة ..عينها واحة ..صدرها وطن”
كانت في مقدمة نصٍ ذيلت خاتمته باسم سمعته للمرة الأولى : [حاتم علي]
بيـن مجمـوعة أعمـال لكتـاب شـاركوا بأحـد مهرجانات سوريا للكتابة نهاية الثمانينات؛ حين كان حاتم مـجـرد طالب يمارس الكتابة كهواية جانبية. عبارة تشبه شخصية حاتم، بسيطة وعظيمة، ربما لم تـكـن الطـريقـة التـي غـزل بهـا الحـروف بقدر مـا كانـت كلمـات روح نقية أرادت أن تـشـارك هـذا العـالم..ـ
تلـك العبـارات تحـديـداً هـي أول مـا قفـز إلى رأسـي حـيـن صـعقنـي خبـر وفاته كمـا فعـل بالجميـع ..ـ
ـ حيـن بـدأ يظهـر علـى التلفـزيون كممثل صاعد لطـيـف ، لـم يـكـن حضـوره طـاغيـاً كبعـض النجـوم ولـكـنـه لــم يكن أيضاً بأقل من المستوى المطلوب ليثبت وجوده، ولم يدخل في أي عمل غير ذي قيمة
ـ يقـولـون لـك: “اعرف طريقك”. فحاتم علي في أدبه الجميل وفي تمثيله الجيد لم يظهر تميزه ولـربمـا انطوت سيرته سريعاً كأي ممثل لمع نجمه حيناً ثم أفل .. ولكن يبدو أنه كان مقدراً له أن يقلب موازين الأعمـال التلفـزيونيـة لذلـك قرر الوقوف خلف الكاميرا وبثّ إبداعه من خلالها، ليرتقي بالذائقة الفـنيـة ويجعل من المسلسلات ساعات من متعة لا تتكرر؛ حتى ليكفي أن تسمع أنه أخرج هذا العمل لتثق أنك ستحظى بساعات غنية ويستحق أن تترك من وقتك ساعات لتشاهده.
ـ حـين رحل [حاتم عـلـي] خـرج الآلاف لتشييعه في دمشق، ورثـتـه كل المحطـات العربيـة، فهل كان هــــذا من فراغ؟

ـ تفرد [حاتم علي] في أعماله و ترك ذلك الانطباع الذي لا يمحى؛ فقد كان يحاكي الناس في أفراحهم البسـيطة وآلامهـم المـزمنة، واسـتطاع أن ينسج كل ذلـك في قـالب لطيـف يـذكـرك بأعـمال الـرحابنة
حيـن طرح الدراما الاجتمـاعيـة في (الفصـول الأربعة، أو أحلام كبـيـرة) عـن الحياة اليومية لعائلات عـاديــة لم يكن يحتاج اختراع قصـص شيـطانيـة ليلفـت انتبـاه المشـاهـد، بـل مجـرد الإخلاص للعمل واحترام المشاهد لتقديم ما يليق بذائقته
أما التاريخ فقد أصبح مع حاتم بنكهة أخرى ..ـ

ـ تسـمع عنــوان (الزير سـالم) تخـال أنك ستأخـذ جرعة من الدمـاء والغبار، فإذا بالحلقة الأولى تظهر كقطعـة موسيقية ، تنقلك على صحـراء العرب، ليـس بجفافها، بل بالحياة الزاخرة تحت الشمس وكيف يـلـون الشعر قسوة تلك الحياة .
ـ وحيـن صـور الأندلـس لـم يغفل عن زاوية جميلة إلا نقلها ، من جزالة اللغة إلى رغد العيش في البلد الرخـيـة ، وكيف جسّـد النسـاء كأيقونات ليست للجمال وحسب بل للذكاء والحكمة أيضاً
وقد يكون هذا عادياً، ولكن تلك الروح الطيبة خلف العمل، تلك التي كنت تراها بوضوح في كل شيء
ـ(عصي الدمع) كان لوحة دمشقية حقيقة، لم تبـالـغ بـرفـع دمشـق لمـا فوق الريح ، ولكنـه أيضاً جسـد أصالتها، وتراث سيداتها العريقات.
وحين حكى عن فلسـطيـن التي علقــت بالـذاكرة مســبية حزينـة ؛ أظهر لنا وجهاً لم نعرفه عنها ..كل التفاصـيـل التـي يحتـويهـا وطن ويرجعها ويطعنك بالألم بكل ذاك الحنيـن الذي يغرق والذي يقول لك لـمــاذا لم يستطيعوا نسيانها حتى عهد قريب .
رحـل ذلـك الذي صنـع إبـداعـات لا تمـحى ، وارتقى بنا من مسلسـلات مكررة إلى أعمال متكاملة لا تــمـــل مــن إعادتها مراراً وتكراراً.
هل نفذ صبرك فاستعجلت الرحيل، حاتم علي، كيف سنذكرك وكيف نشكرك؟
“طيب الله ثراك”
إذ اسـتطعـت حيناً أن تنقل لنا صوراً من الجنة، شـكراً لأنك حولـت الـدراما من شـيء مضطرون لـه لــقــتــل الملل إلى لوحات فنية تبهج العين وتنعش الروح

م. آمال عبد لصمد
اللوحة للفنان: حمد الحناوي ـ سوريا

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

مركز البحوث والتواصل المعرفي يوقع مذكرة تعاون مع جامعة أنتساري بإندونيسيا

رحيل مخرج مدرسة المشاغبين جلال الشرقاوي