in ,

تساؤلات في الوحدة العربية

ـ موضوعٌ شائك ومربك ومعقد ، وأعتقد أنّ تناول هذا الأمر يحتاج إلى دراسةٍ منهجيّةٍ تعتمد على تآزر العلوم الإنسانيّة والتاريخيّة والجغرافيّة ؛ ولا يفوتنا أهمية ذلك القصوى إذا اردنا اقتفاء أثر السياق الذي أنتج مجموعة مسالك وسلوكيات وذهنيات العرب ـ أمّا الجغرافيا فكانت مسرح العرب، تلك المساحة التي كانت تتسع وتضيق بين الشمال الممتد من طوروس إلى الجنوب المحاذي للهضبة الاستوائيّة ،وشرقاً من الخليج العربي امتداداً إلى جبال الأطلس غرباً ـ و في مراحل معينة ، تجاوزت حدودهم الجهة الشرقية وصولاً إلى زنجبار وبعدها بكثير حتى حدود الصين ، وغرباً يممت شطر الجزيرة الإيبرية ، وجنوباً حاذت منابع النيل وتقدمت حتى وسط إفريقيا
ـ وامتدَّ هذا الزمن من عصر ما سمّي بالفتح الإسلامي ،ووصولاً إلى سقوط هذه الدولة المدوي، مختتماً المشهد الأخير بسقوط غرناطة ،في الآونة التي سبقت الرسالة المحمدية…ـالعرب قبائل متنوعة سليلة حضارات معروفة تكونت في مناطق المياه والخصوبة ، ولأسباب متعددة تناوبت الاستقرار والهجرة ،واتصفت بمجتمعات متعددة العبادات والولاءات ومتعصبة وإقصائية إلى حد الاقتتال والكرِّ والفرّ تحت ما عُرِف بمسمى الغزو الذي كان له ثقافة تعتمد القوة والبطش والغدر والغنيمة…مجتمعات غادرت حضارات مستقرة ، وكان لزاماً عليها أن تتماهى مع الجغرافيا القاسية التي ضنَّت وشحت بالكثير،وأغدقت طبيعة الوقت والأمكنة هطولاً من الخرافات التي حاولت أن تفسر الظواهر،خالقةً نوعاً من التبرير والاستسلام أمام حيرة السؤال وصعوبات البدايات البناءة.
ـ ومجتمعياً، تبنى العرب قيماً متعلقة بالشرف والرفعة وأصالة المحتد والنسب ، ولم يعرف لهم أيّ زمن اتفقوا فيه قبل فتح الإسلام. ـ الإسلام بدوره كان يقصد الجمع والحشد وتجاوز الفرقة والعصبيّة القبليّة برابطة الإسلام ؛ وفعلاً عرف العرب الدولة الواحدة بدءاً من العصر الأموي، الدولة التي حاولت غرس دعائمها في وحل الاختلاف والدم . ولا بدَّ أنْ نُشير أنَّ للدين دورٌ بوعده ووعيده وترهيبه وترغيبه، وإذا أردنا أن نتتبع كيف بنيت الدولة، لاحتجنا إلى ما لا يُحصى من الوثائق والأدلة والأحداث والتفصيلات، و لأدركنا أنَّ العقل الجمعي العربي كان ومازال غارقاً في البداوة، وأنَّ التحضر جاهد بمشقة ولم يستطع التخلص من الثنائية المعقدة للبداوة والحضر. ويعود ذلك إلى أسباب السّياقات التي رافقت عملية نشر الإسلام وعمليات الفتوحات
في العصر العباسي الذي قام على الثأر والفتك والغل والخوف، كان العرب عنصر أساس لكن ليس الأوحد، وبدأت مشاكل أخرى من الصراع الداخلي والخارجي أزَّمت الوضع أكثر وأسّست لفرقة مذهبية أضافت مركّباً من الأزمات والعقد ،تعاون فيه العرب بحدِّ السَّيف والرغبة بالغنيمة والكسب، وكلما اتجهوا للاستقرار تحركت البواطن المزدحمة بالنزق العشائري والمذهبي والطائفي.
ـ ثم عاود العرب فرقتهم عبر تيه الغزو المتعدد وتفرقوا واجتمعوا عبيداً ومستعمرين للسلطة العثمانية ، و سقط حلم وحدتهم بوعد الدولة العربية عبر خديعة محادثات حسين مكماهون ، وعادوا مرة جديدة متفرقين تحت سلطات غربية. ـ وبعد مرحلة الحكومات الوطنية، لم يعرف العرب التعاون إلا بأوقات قصيرة جداً مثل حرب الإنقاذ وحرب تشرين وقبلها مشاريع الوحدة وأوهام السوق العربية المشتركة ، وإلى الآن، مازلنا لا نستطيع إحصاء الخراب والدمار في المرحلة الوطنية ، والأمر برأيي المتواضع متعلق بروافع وحوامل لم تكن حاضرة، لعب الدين والاستبداد الداخلي والخارجي دوراً محورياً في تغييبها.
ـ وأمَّا بعد، غرقنا في جمع قمامة الفكر الشرقي والغربي معتقدين أننا نتثاقف ونتحاور، وتبين فيما بعد أننا هجرنا واغتربنا عن خصوصيتنا، وأسهمنا – بقصد أو غير قصد – بالتأسيس لعالم عربي مخترق ومحكوم بعار الإيديولوجية والميتافزيق، إن الكون يمضي قدما ولكننا لا زلنا منشغلين بقضايا جانبية لا تغير في الواقع شيئا
ولكنها تستنزف كل الطاقات وتمتص أية فرصة تغيير للأفضل


إيمان أبو عساف

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

د. مها رضوي في أمسية ثقافية عن الفن التشكيلي

منى زكي و لعبة نيوتن سحر البساطة