in

الصيام عبء أم هدية

أعـانكم الله على صيامه وقيامه ” بهذه العبارة يتهادى الناس التهنئة بقدوم شهر الصوم رمضان المبارك “
قـد يكون أكبر خطـأ نـرتكـبه بـحـق أنـفسـنـا وبـحـق عـلاقـتـنـا مـع إيـمـانـنـا أو مع طقوس العبادات – بمختلف أشكالها – هو النظر إليها على أنَّها عبءٌ نتحايل عليه ريثما يعبر ،أو هـمٌّ ثقـيـلٌ نـمـارسـه علـى مـضـض تجـنّـبـاً لـدخول نار جـهنـم. فالأديان أو الفـلسـفـات الـروحيـة بمـخـتـلـف أشـكـالهـا تـضـع بـعـض القـوانـيـن التـي تبـدو ظاهرياً أنّـها أعمال إجباريـة يجب القيـام بهـا حتى لا تنال العقـوبـة” لا تـتـرك صـلاة الفـجـر كـي تحـرم عن وجهـك النّـار“. ولكن عندما تُـطـرح الطقوس بـهـذه الصــورة فقط ,ستـفقـد أجمل مــا فيـها ( الـمـتـعـة )

،ولـلأسـف لقد تمت المـتـاجـرة بـهـذه المـفـاهيـم طـويـلاً ولازالـت إلى الآن ،حـتـى أصـبحـت أحـاديـثهـا مملّـة ومثيـرة للإزعـاج ، في حين أنّ الغاية منها كانت معاكسةً تماماً لهذا
ـ إن الطقوس بمختلف أشكالها هي مجرد تمارين أو ممارسات تساعد هذا الجسد على أن يحيا الحياة بسعادة أكبر , فكل طقس له دوره الواضح لغاية محددة تضفي الكثير من الرّاحة على الجسد وبالتالي على الروح ،ولكنّها فرضت فرضاً كي لا يستسلم الإنسان للكسل فيهملها فيغرق في مستنقع البؤس ،فالجسد ليس فقط هذه الكتلة التي نراها إذ له أبعاد أخرى إن كنا لا ندركها بحواسِّنا المادية ،فهذا لا ينفي وجودها. وممارسة الشعائر بمختلف أشكالها من شأنه أن يبقيك في حالة من الهدوء والانسجام لذلك علينا إعادة النظر بطقوس العبادات بمختلف أشكالها وأن ننظر إليها بعين الشكر و المحبة بدلاً من التململ والخوف

فما هو دور الصيام ؟ ولماذا يتم التركيز عليه والتشديد على ممارسته في كل الديانات والدعوات الفلسفية؟
إنّ الشـعور بالفقـراء ،التعـود على الصـبر ، وعـدم الإلـحاح وإن كـانـت نتـائـج هـامـّة ،إلا أنّهـا ليست الأهم فهناك الدور الكبير للصيام في تـهذيـب النـفـس وحمـلها عـلى تحمـل المشـاق والقدرة على التحكم بالرغبات ، له أهميته أيضاً، و بالإضافة لذلك هناك أمور أخرى ذات تأثير أعمق جسدياً وروحياً فما هي النتائج المباشرة للصيام
ـ الدّور الأول للصيام هو منح الجسم الراحة من دخول أشياء غريبة عليه : وهكذا سيملك الفرصة لتنظيف نفسه فالجسد لديه القدرة على شفاء نفسه من أي مرض ولكن الأطعمة الكثيرة والمتنوعة تجعل هذه المهمة صعبة فمع مهام الجسد المعقدة لا يكاد يستريح حتى نزوده بالمزيد من الغذاء مجدداً ،لذلك فالتوقف عن الطعام والشراب سيعطي الوقت لإعادة تنظيف الخلايا وتعافي الأجهزة والتخلص من الخلايا التالفة وما إلى ذلك .

ـ أما الدّور الآخر فهو طرح السموم التي تدخل الجسد : الأغذية الحالية غالباً ملوثة بالمبيدات والمحسنات والمواد الحافظة والسكريات الصناعية ،لذلك يلزم دائماً التنظيف بعدها لأنها غريبة على الجسد ،وإذا لم يتم طرحها دورياً ستتراكم في الجسد وتخزن في الأعضاء وتسبب أمراضاً خطيرةً, فقد اشارت الأبحاث أن الصيام المتقطع سيساعد على تنظيف الكبد من السموم واستعادة عمله بشكل كامل
ـ الدّور الثالـث هـو تحسـين المـزاج : كثيـر من الأطعـمـة الـتـي نتـغـذى عـليـها تـتسـبـب بتـعـكـيـر الـمـزاج ،فـلـيـس كـل شـعـورٍ سـيء سـببـه مشـكـلة ،نفسية أو حادث

بـل قـد يكـون الطـعام هـو السـبب ، لـذلـك فـالصـيام يبـقي الإنسـان بحـالة مزاجيـة هادئـة وتصـبح كـل المشـاعر المـزعجـة محـيَّده جانباً أو لنقل بلا أهمية.كما يمكنك خلال فترة الصيام أن تركز نشاطك العقلي و ترى مشاكلك بوضوح وموضوعيّة وإيجاد حلول ملائمة فعلاً
كيف يحدث هذا؟ نتناول الطعام فيتوجه تركيز الجسم كله إلى المعدة من حيث حركة الدم والأوكسجين وتقل الطاقة الموجهة إلى بقيةالأعضاء ، ولكن الصيام يعيد كل ذلك التركيز إلى بقية الأعضاء كالدماغ والرئتين والقلب ويجعل الجسم خفيفاً مرتاحاً ،لذلك يكون في حالة مزاجية مرتفعة وشفافة فإن كان الأمر مترافقاً مع الإيمان ستشعر أنك أقرب لله دون شك
وحتى لو لم تكن مؤمناً ستشعر أنك في حالة من الهدوء والسلام بسبب الخفة الجسدية ، فأكثر الناجحين العظماء يصومون يوماً أو أكثر عندما يكون لديهم نشاط مهم ،فالصيام يجعل العقل في حالة سكون وصفاء مما يساعد على فعالية التفكير والدقة والإنجاز .
إذا ما هو موقفك أنت من الصيام ؟. دع عنك جانباً حكايا الجنة والنار التي تخص المستقبل البعيد . تذكر ان العبادة النافعة هي التي تنبع من القلب وليست تلك التي تؤديها رغماً عنك . ركز في الحاضر الآن : هل تراه أمر مفروض عليك كرهاً وخوفاً من النار أم لأن الله يحبك أن تصوم لكي تحصل على كل هذه العائدات معاً ؟. فلو نظرت إلى كل ذلك هل سترى الصيام عبئاً أم هدية ؟؟

آمال عبد الصمد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply
  1. مقال ممتاز يبين الفرق بين الصيام المفروض وبين كونه يجلي السكسنه والهدوء للروح والجسد على حد سواء

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

أحبك ولكن أحب روما أكثر منك

زينة عماد “مستقبل الأغنية السعودية”