in

الدراما العربية “القصص الغائبة”

لهذه الدرجة أصبحت “قصصنا” غائبة؟

بعد أن باغتتنا شركات الإنتاج  منذ سنوات بمجموعة ليست بالقليلة من “الأعمال المعرّبة” كما يُطلِقون عليها، هنالك سؤال بالتأكيد يطرحه الكثير من محبي الدراما العربية الأصيلة “لهذه الدرجة أصبحت قصصنا غائبة”؟، تلك التي حين نتابعها نشعر في كل مراحلها أننا  بطريقة أو بأخرى جزءاً منها، كلّ منّا يرى نفسه في واحدة من شخصيات العمل بدءاً من الأبطال وحتى الشخصيات الثانوية التي لا يكاد دورها يتعدى الظهور أو الاثنين، بدءاً من شارة البداية للحلقة الأولى وحتى “الحلقة الأخيرة”، هذه الأعمال التي تُحاكي مجتمعنا العربي بشخوصه وقضاياه وأفكاره ومبادئه، تنقل لنا قصصنا في قالب فني مثير يسكنُه الكثير من الحب والخوف والتعب والتناقض وفارغ من اللهث وراء تجسيد ثقافات أجنبية بقالب عربي مخادع.

ما بين “الأكثر مشاهدة” على هذه الأعمال والهجوم اللاذع عليها؟

لطالما كانت الأعمال الفنية محط انتقاد وهجوم، لكن كان ذلك صادر عن الفئة المتدينة بدعوى أنها أعمال تنحدر بالمجتمع نحو الفتنة، كما أنها أداة “ممتازة” لانتهاك الحياء وزرع ثقافة منحلّة ستكون مدمرة لعواميد المجتمع العربي القائم في الأصل على الدين الإسلامي الذي يحرّم “الفن” بأنواعه من وجهة نظرهم.

هذا في السابق، أما الآن الهجوم الذي يطال “الأعمال المعرّبة” على وجه الخصوص هو أمر مثير للاستغراب، خصوصاً بعد أن فُتح الباب العربي على مصراعيه، أستطيع أن أقول أن هذا الباب ليس له حدود “يخرج ويدخل منه كل شيء دون تأشيرة وبلا إذنٍ مسبق”، إذاً السؤال هنا لماذا كل هذا الهجوم؟

أستطيع التخمين بأن الهجوم ناتج عن ارتباط المشاهد بالعمل العربي الأصيل بكامل تفاصيله وعناصره وليس فقط بأبطاله، مرتبط بالأسرة العربية وبطريقة تفكيرها، بخوف الأم على أبنائها وتدقيقها على أصغر تفاصيلهم من الدراسة والأكل واللبس وحتى وقت الرجوع للبيت واستيقاظها لتفقدهم بهدوء، مرتبط بهيبة الأب واحترام الأولاد له مهما كبروا في السن، مرتبط بالمسامحة والكرم وجمعات العائلة التي تجمع الكل على “سُفرة” واحدة، مرتبط بأحاديث الأخوات آخر الليل في غرفة النوم على ضوء خافت وأحياناً في الصباح مع فنجان قهوة ، مرتبط بالكثير من التفاصيل الدافئة حتى وإن كان العمل “بوليسي” أو “كوميدي” أو غيره فإن العمل العربي الأصيل لا يمكن أن يخلو من هذه التفاصيل المثيرة للاهتمام والحب، هذه التفاصيل التي افتقدتها “الأعمال المعرّبة” التي تعكس مجتمع وثقافة لا تشبهنا مطلقاً، لذلك نشعر بالغربة عنها، أقصد بـ “نشعر” نحن الذين أدمنّا الدراما العربية الأصيلة.

حسناً، لكن في المقابل هذه الأعمال تتصدّر “التريند” وتحصل على الأعلى مشاهدة غالباً، أظن أن هذا آتٍ من منطلق حب الأغلبية للتغيير والخروج عن النمطية التي اعتاد عليها المشاهد العربي في الأعمال المطروحة، تكتفهم أمام الشاشات واستقبالهم لهذه الأعمال بنهم كبير دليل واضح على رغبتهم في ركل القالب العربي المعتاد وانصهارهم في القالب الجديد الذي اختارته  لهم شركات الإنتاج بعناية فائقة ونال إعجابهم.

هذه الاختلافات في ردود فعل المشاهد العربي على “الأعمال المُعرّبة” يقودنا  إلى الرغبة في معرفة السبب الحقيقي وراء  اكتساح  أعمال “الفورمات” للمشهد الفني العربي، هل  سطوة شركات الإنتاج  هي السبب أم الإفلاس الفكري لدى المؤلف العربي؟ هل أصبح المؤلف العربي الحقيقي “خارج التغطية” أم أن نصه تجاوز قانون المنتج وشروطه؟

حين نرى أعمال الفورمات تكتسح الشاشة العربية وتحظى بتسويق كبير وإنتاج ضخم، يحق لنا كمشاهدين أن نتساءل لماذا لا يظهر المؤلف العربي ويُسمعنا صوت نصه في أعمال كبيرة كتلك التي تحتل ذاكرتنا إلى الآن مثل “الفصول الأربعة” في الدراما السورية، و “لن أعيش في جلباب أبي” في الدراما المصرية “، لماذا يأخذ المؤلف وضعية المتفرج على واحدة من أملاكه بلا حِراك، هل هرِم قلمه أم احترق خياله؟ هل هو بالفعل غائب أم أن المُنتج يركل مؤخرته كطفلٍ يتيم موجهاً له طلباً يحمل صيغة الأمر بأنه عليه إنتاج نصٍ يليق بثقافة اليوم وإلا لن يأخذ نصيبه من الكعكة؟

أعتقد أن المؤلف العربي الحقيقي يعيش صراعاً بين مبادئه والشروط المطروحة لقبول نصه الذي ربما يحمل الكثير من العبارات التي يعتبرها المنتج أنها تتعدى “الخط الأحمر وتقفز فوق القانون”، ربما يفضل الابتعاد عن هذه المساحة التي أصبحت لا تشبهنا لا من قريب ولا من بعيد باستثناء “كم عمل” أستطيع عدهم على الأصابع، أستطيع الشعور بالدُوار حين أفكر بعقليته، تارةً يحدّث نفسه مقنعاً إياها أن وقت التغيير قد حان وعليه أن يبدأ بتغيير فلسفة قلمه وإخراج نص يليق بعقلية المشاهد الحديثة، وأخرى يشمئز من نفسه لمجرد هذا التفكير ويفضّل أن تُركل مؤخرته في كلّ مرة يقدّم فيها نصاً حقيقياً لا يلبّي رغبات المنتج بدلاً من التنازل عن الفكرة والمبدأ.  

Written by Fadhaat

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

“ويستمر العطاء” مبادرة جسفت نحو تقدير رموز الفن التشكيلي

الأمير د. فيصل بن محمد يدعم الفن السعودي في يوم الوطن