in ,

فيروز ليست ايقونة للفرجة

فيـروز ليسـت مقدسة ، لكنَّ الذين كـشفوا عن قبحهم وانحطـاطـهـم فـي التـعـلـيـقـات إيـاهـا مـدنّـســون أكـثـر مما يجب لإنسان طبيعي، الإنسان مدنّـس لأنّه جزء مـن الطـبـيـعـة وأعـراضـهـا وتـحـولاتـهـا، لـكـنّـه حـيـن يـفـقــد مـعــايـيـره الأخـلاقـيـة الـجـمـالـيـة يـصــبـح دنـســه شـــيـئـاً مـنـفـراً وبـغـيـضــاً.
ـ فيـروز جـزء مـن الطبيعـة تلـك، لم تشـأ يوماً هي بإرادتها أن تسجن نفسها في أيقونة حياتها البسيطة وخجلها من الآخرين، وارتباكها في الحوارات، رغم جمـال كـلامهـا القليـل وعمقـه، كان كلّ هذا دليلاً عـلـى أنَّهـا إنسـان يأكـل ويشـرب ويـمـرض ويتقـدم في العمـر ويختلـف أداؤه بحسـب قوانين الطبيعة.
ـ فـيـروز حيـن قبلـت بكـامـل مشيئتها أن تغني مع كلمات وألحان زياد التي ربطتها أكثر بعالم الأرض والتـراب ، بعالم الحياة العابرة المملّة الجميلة البشعة ، كانت تقدم دليلاً عظيماً ليس فقط على تواضعها ورغبتهـا في أن تكـون مع الناس ، بـل دليـلاً على أنّهـا تـريـد تقديـم نمط غنائي مختلف تماماً عن نمط الأخوين رحباني ــ أنا شخصياً أبوس أيادي الأخوين رحباني لأنهما حافظـا على فيـروز أمـام تمـاريـن الإعلام والانـسياق وراء السوق، كانا يـرسمان لها سماوات خاصة لأنهما أرادا تحقيق ثورة في الغنـاء والموسيقى والكلمة الشعرية المغناة، وقد عاشت فيروز هذه المرحلة بكامل متطلباتها، لكننا لم نكن ننتبه على مـا يبدو إلـى أنَّه حتى في تلك المرحلة كانت في مسرحها شــخصاً عادياً، نموذجاً موجوداً فـي كل إنسـان، في العاشـقة والمشـكلجية وبيـاعة البندورة وفي بنت الثائر وفي المعركة وفي دكانة جدها.. إلخ
لـم تـكـن فـيـروز فـي المـسـرح لا أيـقـونـة ولا هـم يـحـزنـون ، كـانـت تـبـدع فـنّـاً هـائـلاً
ـ

صورة السيدة فيروز الاخيرة التي نشرتها ريما الرحباني

هـل تتـذكـرون في (هـالة والملـك) عيد الوجه الثاني؟ حيث تجد فيروز نفسها في ورطة القناع، فترى الجميع في هذا العيد يرتـدون أقنعـة ليمـارسـوا حقيقتهم من خلف الأقنعة، كـان دورها أن ترفض القناع، وتتمسك بصورتها الصـادقة، وتواجه الملك وحاشيته الفاسدة بالواقع الانتهازي، يومها ظنَّها الناس البنت التي تتطـابق صفاتهـا لتكـون زوجة الملـك، وعـاملـوها على هذا الأساس، لكنّها طلعت بنت رجل عادي سـكرجي مـداوم في خمّـارة جوريـة ، يشـعر الناس بخيبة أمل ويطالبونها أن تبقى هالة كما رسموها هم
ـ اليـوم تـعـيـد فـيـروز المعنى نفسه في صورتها الأخيرة، هذه أنا بلا قناع ولا مكياج ولا تجميل، أنا لست محتاجة للقناع لأكون ذاتي، لكن المتفرجين صُدموا ! ، وكأن فيروز جنس خاص لا وجود له في الأرض
ـ ألا تـسـتـطـيـعـون أن تـكـونـوا أيـهـا الـتـافـهـون الأنـذال ولـو لـمـرة واحـدة ، مـالـكـيـن لأدنـى درجـات الإحـسـاس الحـضـاري بـقـيـمـة الإنـسـان خـارج مـظـهـره وشـكـلـه ؟ ألا تـســتـطـيـعـون أن تـحـافـظـوا عـلـى احـتـرامـكـم لأنـفـسـكـم خـارج مـنـطـق الـمـيـديـا والـتـسـويـق و الـبـهـارج ؟
ـ أجـل فـيـروز لـيـسـت مـقـدسـة ، لـكـنـكـم مـجـرد حـثـالـة عـلـى هـامـش الأخـلاق ! ، فـيـروز لـيـسـت شـكـلاً ، ولا بـرواظـاً، ولا مـزهـريـة للفـرجـة ، لـكـنـكـم أنـتـم تكـادون أن تكونوا غباراً على الأذيال
ولا تـؤاخـذينـا يـا فـيـروزنـا علـى مـا فعـل السفهاء منا


علاء الدين عبد المولى

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0
جيبوتي... نهضة متواصلة في عهد الرئيس جيله

جيبوتي… نهضة متواصلة في عهد الرئيس جيله

دروس الطبيعة