على درب المعرفة

طـريـق الحـيـاة سـلسـلـة أحـداث تنـقــل لـنـا كـل حـيـن درس جـديـد ، فـأثـنـاء خـوض رحـلـة العـمـر المـعـرفـيَّـة تـصــادف معـلـمـيـن مـن شـتـى الاتـجـاهات ، وإذ يقولون أنك تتعلم من كل شـيء ، فليس بـالـضرورة أن يكـون مـعلمك أستاذاً جامعياً أو أديباً نال جائزة نوبل ، بل قد يكون مجرد إنسـان بسيط ينـطق حكمة ما نادرة صادف أن جاءت علـى لسانه ، يـقـول أوشـو : ” أحـد أهـم ثـلاثـة معلـمـيـن فـي حيـاتي كان لصاً ؛ اضطررت في رحلة ما أن أقيم ببيت لصٍّ كان ينهض كلَّ ليلة ويقضي الليل خارجـاً بـاحثاَ عن شيء ما ليسرقه، وكل ليلة كان يعود خالي الوفاض فأسأله: ماذا فعلت اليوم ، فيرد : لم أوفق اليـوم بشيء ولكنني حتماً سأوفق بصيد كبير غداً “، وبقي على المحاولة كل يوم طوال مدة إقامتي لديه
لـص؟! قـد يقـول البعض باحتقار ، نعم يمكنك التعلم من أي كان ، ولو نظرت خلفاً وجدت أنك ضيعت الكثيـر من الدروس وأنت ترفـض فلاناً وفلان لمجرد أنك لا تحترمهم أو لأن الناس يعتبرونهم لا شيء
.يـقـولـون : نـصـف الـمـعـرفـة تـتـعـلـمـه بـالـقـراءة والنـصـف الآخـر تـتـعـلـمـه بـالصـمـت والمراقبة
وفـي الطبيـعـة أكـبـر معـلـم لـنـا لـو مـنـحـت لـنـفسـك الـفـرصـة بـالـتـأمـل ، راقـب الحـشـرات كـائنات صغـيـرة هـشَّـة ، الـغـالـبـيـة تـقتـلهـا عـنـدمـا تـصـادفـهـا لـسـبـب غيـر مـعـروف تـمـامـاَ ، وبعيداً عـن مـمالـك الـحشـرات الـمـذهـلـة الشـهـيـرة كـنـمـوذج للـتنـظـيـم تـطـلـع إلـى حـشــرة صـغـيــرة مـجهـولة الاسم تسـعى في درب ما ، فلـو وضـعت قـشَّـة أمـامهـا سـتجـد أنـهـا لـن تـتـوقـف لأكـثـر من ثـانـيـة ثـم تـتـجـه يـمـيـنـاً أو شـمـالاً وتـمـضـي فـي طـريق آخـر ، بينمـا الإنسـان يحاول التحكم بكل شيء وعندما يحـدث مـا يعيقـه يتوقف وكأن مصيبة حصلت ، ويصِّـر على إكمال ما يبدو بوضوح أنه غير متاحٍ الآن
ولـو راقبـت أيـة شـجـرة حـيـن يـنـكـسـر لـهـا غـصـن لـن تـمـلأ الـمـكـان عـويـلاً بـل سـتـقـبل و تصـبر وبـعـد مـدة ســتـنـبـت فــرعـاً آخــر مـكــانـه ويـنـتـهـي الأمـر ، وبـعـد قـلـيـل هـذا الـغـصـن الـصـغـيـر سـيـكـبـر ويـتـفـرع ويـغـطـي مـكـان الـغـصـن الـمـكـسـور ويـفـعـل كـل مــا كــان يـفـعـلـه .
دراسـة الكـتـب يلـزمها البحـث المـطـول والـجـهـود الحـثـيـثـة المسـتمرة ، وعلم الحياة قد يحتاج لموقف واحد ، وكـل مـا عليـك فعلـه هـو الانتباه إلى اللحظـة التي أنت فيها دون الهرب إلى الماضي أو المستقبل

آمال عبد الصمد