in

التاريخ والدراما 5 _ غراء


ـ الثابتُ في تاريخ الحرب العالمية الثانية أنّه ومع اندفاع العاصفة النازية التي اجتاحت أوروبا، ومع سقوط فرنسا بقيت بريطانيـا وحدهـا في الميدان (قبل هجوم الألمان على روسيا) وكان هتلر يأمل باستسلامها بالهجمات الجويّة المدمرة على المدن البريطانية وكذلك بضرب أسطولها في البحار بسلاح الغواصات
ـ كـان وينسـتون تشـرشل يقـاوم أفكـار بعـض السـياسـيين الذيـن ألحّـوا في طلب الصلح مع النازي بأي شـروط لـوقـف تـدمـيـر البـلـد ، وكـان مـدركاً أنّ أمـلـه الوحيد في الصمود أمام العاصفة هو في دخول الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في الحرب فهي بصناعاتهـا الهـائلـة واحتـيـاطياتها العظيمة ؛ الوحيدةُ الـتـي بتـدخّلها قـد تقلب مسارَ الحرب وتبقي البريطانيين واقفين على أرجلهم ، خاصةً مع وجود معاهدةِ عـدم اعـتـداء بـيـن هـتـلـر وســتـالـيـن ولـم تـكـن واضـحـةً نـيّـةُ الألـمـان فـي غـزو روســيـا بعـد.
ـ تقول الحكاية: ـ
إنّ تـشـرشـل لـم يـتـرك وسـيـلـةً لـجـرِّ الأمـريـكـان للـحـرب ولـم يـسـتـخـدمهـا حتى الاستجداء، وكان فـرانـكـلـيـن روزفـلـت الرئـيـس الأمـريـكـي مـتـعـاطـفـاً مـع مـحـنتـه لكـن للأمـريكان أجندتهم الخاصة.
ـ فـي إحـدى زيـاراتـه السـريّـة إلـى الـولايـات المتحـدة نـزل تشـرشـل ضيفاً على روزفلت ، وفي صباح أحد الأيام كان يستحمّ في غرفته مع مجيء روزفلت لزيارته بشـكـلٍ مفـاجىءٍ ولـم يجـرؤ الحـاجب على البـاب أن يـوقـف الـرئيـس الأمـريكـي أو أن ينبـه تشـرشـل إلى قـدومه وهو فوق كرسيه المدولب (كان روزفلت يعاني من شلل الأطفال ولا يقدر على المشـي). المـهـم دخـل روزفـلـت غـرفـة تشـرشـل الـذي كـان يلـفُّ جسـدَهُ البـديـن بمنشـفـة الحمـام ولا شـيء تحتهـا فأشـاح روزفلت بنظره معتذراً من تشرشل عـلـى اقتحـامـه غـرفـتـه بـهـذا الشـكـل فمـا كان من تشرشل إلاّ أن ردّ عليه وببديهةٍ مدهشة قائلاً : ” إنّ رئيـس وزراء جـلالـة الملكـة ليـس لـديـه مـا يخفيه عن رئيس الولايات المتحدة “. فقهقه روزفلت كثيراً.
ـ يُـقال أنّـه بـعـد هـذا اللـقـاء بـدأت قــوافـل الإمـداد بـحــراً وجــواً تـعـبــر المـحـيــط الأطـلـنـطـي لـدعـم البريطانيين وتمكينهم من الصمود وذلك قبل دخول الولايات المتحدة طرفاً أصيلاً في الحرب على النازية.
ثم جاء هجوم بيرل هاربر لتندفع الولايات المتحدة لمساعدة حليفها البريطاني المُنهَك والمُستنزَف ولإثبات نفسها قوةً أولى في عالم ما بعد الحرب، وبدأت عملياتُ الابرار الكبرى في الحرب العالمية الثانية بالتنسيق بين الأمريكان والبريطانيين : ـ

Torch ( كعملية الشرارة – وهي الإنزال على شواطئ شمال إفريقيا )
Avalanche ( عملية الانهيار الثلجي – وهي الإنزال في جنوب إيطاليا)

Overlord ( وعملية السيد الأكبر – وهي إنزال النورمندي)

ـ طبعاً الولايات المتحدة لم تقدّم دعمها للبريطانيين مجاناً بل حسب قانون يدعى قانون الإعارة والتأجير ، ولما عجـزت بـريطـانيـا عـن السداد كان الثمنُ نقل مستعمراتها كإمبراطورية إلى القوة الأمريكية البازغة وظل الحال كذلك حتى الآن.
تشـرشـل قـال للبـريطـانيين في أحلـك سـاعات اليأس : (ليس لديّ ما أعدكم به غير العرق والدم والدموع ولكننا سنقاتل على الشواطئ وفي الحقول وفي المدن ومن بيت إلى بيت).
ـ انتصر الحلفاء وكان تشرشل مِن قادةِ النصر الكبار لكنّ البريطانيين وقد ملّوا من الحرب وممّن يذكّرهم بها أعطوا أصواتهم في أوّل انتخابات بعدها إلى حزب العمال وإلى سياسيّ مغمور هو كليمنت أتلي.
ـ كانت رسالةُ الناس شديدةَ الوضوح لتشرشل : (نعم، قُدتَنا في الحرب وانتصرْتَ وهذا نحفظهُ لك ونقدّرهُ أما الآن فنحن نريد أن نعيش …)
ومـن نِعَـمِ الـديمقـراطيـة أنّ الـزعيـمَ المنتـصـر خضـع لرأي الناس وقَبِلَ الهزيمة وقعد في بيته ، أمّا عند ألـيـس فـي بـلاد العجـائب فالمهزومون يَقعُدون على كراسي الحكم وقد يبقوا كأنهم قد التصقوا بها بالغراء بينما يُقعِدُون الشعبَ كلَّهُ في بيته !!!

د. عمر عبيد

الصورة موقع .. BBC NEWS

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

يقين

سفارة جيبوتي بالرياض تقيم أمسية شعرية

سفارة جيبوتي بالرياض تقيم أمسية شعرية