in

التاريخ والدراما / 5 /ليلى خالد

ـ بـعـد هـزيـمـة سـنـة 1967 بـدأ يـعـلـو نـجـمُ حـركـات التـحـرر الفـلـسـطـيـنـيـة المـســلّحـة وكـان مـن أهـمّـهـا الجبـهـة الشـعبـيـة لـتـحـريـر فـلـســطـيـن ، وكـان يـقـودُهـا سـيـاسـيّـاً الـدكـتـور جـورج حـبــش (الـحـكـيـم) وعـســـكـريــاً الــدكـتـور وديـع حـدّاد ( أبـو هـانـي ) وهـمـا بـالـفـعـل طـبـيـبـان فـلـسـطينيّان مـن خـرّيـجـي الجـامـعـة الأمـريـكـيـة فـي بـيـروت ، وممّـن ضــاعـت أرضُــهُـم سـنـة النـكـبـة 1948
ـ وسـطَ تعتيـمٍ إعـلاميٍّ عـالمـيٍّ مدهش علی مأساة الفلسطينيين ومعاناتهم في المخيّمات وبلاد اللجوء أرادَ قادةُ الشعبية لفتَ أنظارِ العالم إلی تلك المأساةِ المستمرّةِ منذ عشرين عاماً فأسسوا الذراعَ الخارجيّ للجبهة الشعبيّـة، واختاروا له نخبةً من الشباب الفلسطينيّ والعربيّ والعالميّ الذي آمن بعدالة قضيّتِهِ، وتمتّعَ بنفس الوقـت بميزاتٍ متعـدّدة كالعلـوم العـاليـة وإجادة اللغات الأجنبية والمظهر الجميل الحديث الذي يُخفي خلفَهُ مناضلين أشدّاءَ مخلِصين مستَعدّين للتضحية بكلّ شجاعةٍ في سبيل قضيَّتِهِم.
لـجـأ جـنـاحُ الـعـمـلـيّـات الـخـارجـيـة لـتـكـتـيـكِ خـطـفِ الطـائـرات واعـتـراض خطـوط الملاحة الجوّيّة ومـا يتلـوهـا مـن تـغـطـيـةٍ إعـلامـيّـةٍ كـبـيرة ،واستطاعوا لفترةٍ وضعَ قضيَّتِهِم وقضيّةِ بلدهم السليب علی رأس جدول أعمال كبری الدول ، بغـضّ النظـر عن معاييـر الربـح والخسارة وعن أحكامِ القيمةِ فهذا كان تكتيكهُم وقد نجحوا فيه حينها و ها هي حكايتنا هنا : ـ
ـ كـانـت معظم الطائراتِ المخطـوفة تتبعُ شـركةَ الطيران الإسرائيلية ( العال ) أو الدول الحليفة لها كألمانيا والولايات المتحدة، فبعد أن يُسيطرَ الفدائـيـون عـلـی الطـائـرة كـانـوا يطيرون بها فوقَ فلسطين ويُجبرون الطيّارَ علی إذاعةِ بياناتهم وأن يُردّد : ” فلسطين عربية “عدّةَ مرّات، ثـم يقودون الطائرة إلی إحدى الدول التي يثقون بها كالجزائر أو مصر أو سوريا ــ شاركت صبيّةٌ فلسطينيّةٌ جميلةٌ في أكثر من عملـيّـةٍ من تلك العمليات وهي ليلی خـالـد ، وفـي إحـدى المـرّات كانت التعليمات أن يهبطوا بالطائرة المخطوفة في مطار دمشق وذلك أواخرَ الستّينات، فهبطوا بها فعلاً وكانت ليلی تقودُ تلك المجموعة، و أفرِجَ عن ركّاب الطائرةِ وألقيَ القبضُ علی الفدائيين ونُقِلوا إلی سجن المزة العسكري للتحقيق
ـ كـان رئـيـس جهـاز الأمـن وقتَهـا عبـد الكـريـم الجنـدي ولـم يعـرف بـالـعمليّة ِإلاّ بعدَ هبوطِ الطائرة علی أراضـيـه فجُـنَّ جنونُهُ ، واتّجَهَ غاضباً للتحقيق مع المنفّذين، وازدادَ غضبُهُ عندما علمَ أنَّ فتاةً قادتِ العمليّةَ, كانـت لـيـلی غـاضـبـةً جـداً بـدورهـا من وضـعِـهـا فـي زنـزانـةٍ كـالمجـرمـيـن ومعـاملَتِها علی هذا النحو. وعنـدمـا أتـی عـبـد الـكـريـم الجـنـدي هـائجاً يسُبُّ ويلعنُ ويُهدِّدُها بالويل والثبور وبألفاظٍ لطالما اشتُهِرَ بها ، علی هذه الورطةِ و علی التعَدّي علی مطـار دمشـق و علی سيادةِ بلدِه ، لم تَخَف ليلی ولم تتردّد بل صاحت بهِ وبغضبٍ شديدٍ وبازدراءٍ أشدّ وبلهجتها الفلسطينية الجميلة : ـ
ـ ” وَلَـك إنتـا مـا بتسـتحـي، وَلَك أنا جبتلكُن طيّارة إسرائيلية لهون ، وَلَك بتحُطّوني بالحَبِس بَدَل ما ترحبوا فيّي، وَلَك ما عأسـاس عبـتـحاربـوا اليهـود ، وَلَك الله يوخذكُم كُلّكُم يا عيب الشوم بس ” ـ
ـ بُهِـتَ الجنـدي وخـاصة أنّـهُ كان أمامَ عناصِرهِ ، ودارَ علی عقِبَيه ولم يردّ بكلمة وغادر السجن.

بالطبع قد لا يخطر في عقـل امـراة شجاعة كليلى اعتبارات السياسة ، وعواقب المهمات المتهورة وماالذي دعا الحكومة لتلك الإجراءات ، ولكنَّه عـلـى مـا يبـدو قـد جـازف هو الآخر واتخذ قراراً يتناسب مع شجاعة تلك المرأة ونبل قضيتها ، فتمَّ الإفراج عن ليلی ورجعت إلی معسـكرهـا ، وعاشت طويلاً عزيزةً كريمةً ومعظم من حولَها لا يعرفون أنَّهُم كانوا يعيشون مع أسطورةٍ حيّةٍ تُدعی { ليلی خالد}
امرأة كهذه ؛ ربما تليق بها قصيدة جميلة قالها طلال حيدر ثم غـنـاهـا مـارسـيـل بكامل إبداع المذكورين : ـ
وِجهِك طقس متل الصحو
دايخ ومش سكران
متل الشِتي نازل على حزيران
وِجهِك طاف النيل وغرّق مصر
في مملكة عم تنسرق مفتوح باب القصر
وِجهِك من هَون بيحدّو الدِّنِي
ومن هَون حدّو الوهج
بَس تِفرحي بيطير من صدري الحَمامْ
بَس تِزعلي عامَصر باخِدلِك الشامْ

د. عمر عبيد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

الآباء يأكلون الحصرم، والأبناء يضرسون

الرحيل