in

وجه آخر لباريس 2

قال المهاتما غاندي:
“هذا العالم هو ما صنعته ايدينا. ان كان لا يشفق علينا حاليا، ذلك لاننا جعلنا منه مكانا لا رحمة فيه.
لا يمكننا تغيير العالم إلا ان غيرنا ما في انفسنا. يمكننا البدء في تغيير لغتنا، في تغيير اسلوب تفاهمنا مع الآخر”.
ذلك ما احاول قراءته في طريقة فرنسا وسلوكها مع احداث مهمة تجري حاليا ، او مع احداث قديمة ما تزال تلقي بظلالها على الواقع الراهن.لكن مهارة التعامل مع اللحظة غير النتائج وأعطى للحاضر فرصة لائقة. نقرأ ذلك في صور متنوعة كما في التعامل مع غضب الجزائيين والفرنسيين لدى قراءة كتب التاريخ الذي يوثق مرحلة استعمار فرنسا للجزائر لسنوات طويلة,حيث انهى الشعب الجزائي حلم الفرنسيين بضم ارض عربية الى دولة المستعمر مقابل ثمن باهظ من دم مليون شهيد. في رؤية فرنسية جريئة تتحول العداوة الى تعاون وتتحول ارض فرنسا الى مقام مريح للجزائريين، الى مكان عمل و تحقيق طموح.ثم في خطوة جريئة تطوي فرنسا ما تم تدوينه عن تاريخ تلك المرحلة بإشارة من رئيسها ماكرون الى المؤرخ بنيامين ستوار – لإعادة تأريخ قرابة أكثر من قرن من الاستعمار والتعذيب للشعب الجزائري في الفترة الممتدة بين 1830 و1962.
بـإعادة صياغة ”ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر”، بهدف تعزيز “المصالحة بين الشعبين الفرنسي و الجزائري”.
تحرص فرنسا على التواجد في الاحداث المعاصرة تواجدا فعالا يخدم مصالحها.وان كان في مصلحتها تعطيل لمصالح الآخرين، كما يطلق على الوضع في تسمية شائعة: العالم ” كعكة ” شهية وفرنسا تريد حصتها منها، وتعرف كيف تضع خطتها.
في حركة ذكية من الرئيس ماكرون، ينزل ببساطة مع مواطنين لبنانيين في شارع بيروتي بعد تفجير مرفئها وانتشار صدى سياسي أبعد من صدى النار والدخان..مشوار يبدو بسيطا وعفويا وانسانيا بحتا..لكن في واقعه هو خطوة لها اهدافها في مدينة شرق أوسطية، في احداث ترسم شرق اوسط معاصر، خصوصا، بالقرب من معقل حزب الله وفرنسا تعرف دوره في المنطقة.تلك مؤشرات غنية عن رؤية لا يستبعد ذكاؤها وتصيدها في مياه الشرق الوسط الجديد..في نقطة لا يخفى ولاؤها الكبير لفرنسا ..مارونيون ناطقون بالفرنسية، في باريس الشرق- بيروت- ضمن مسيرة مدروسة، مع رئيس دولة عظمى لا يفرط بوقت ثمين الا لأسباب ثمينة، على طريق تحقيق اهداف في الشرق، في مرحلة هدم مرفأ بيروت، تحضيرا لبنية جديدة…بيروت تغلي وشعبها الحر يجيد التعبير عن المأزق الذي اغرقتهم فيه الألاعيب السياسية ،عن الحياة الصعبة التي زجتهم صراعاته فيها، عن كل ما كان مسكوتا عنه وصعد الى السطح كقنبلة موقوتة حان وقت انفجارها..

كادت بيروت تنطق بالعبارات التي ابتلعتها فاختنقت بها لولا ان ماكرون انتزع منها المايكروفون، في هذه التمشاية البسيطة..بلا كلمات..فينسى الغضب , وتلوح أطياف الحلول ويتشرف ماكرون لإعلانها حلولا تأتي من الخارج مؤكدا،مع اطراف اخرى، بمحاذاة فشل الحكومات المحلية في الاصلاح، واثقا جدا من انه قادر على السير بثقة وفي وضح النهار بينما لا يمكن لأي رمز لحكومة محلية ان يظهر الى الواجهة دون المساس به رشقا وطردا ولعنة.

زيارة ماكرون للسيدة فيروز

علما ان جملته النهائية التي يعلنها كلامه صراحة، تبوح بها التفاصيل المقروءة:

اظهروا ايها اللبنانيون كل انتقاداتكم لمسؤوليكم واستنجدوا بنا لانقاذكم من مستنقع الفساد الذي يغرقونكم فيه.

يتجاهل ماكرون وعي بعض اللبنانيين لحقيقة رغبتهم بإعادة مرحلة الانتداب الفرنسي والوصاية على لبنان، ورغبتهم بتلميع وجه طائفة مدللة يجب ان تبقى بخير حتى يعم الخير على بيروت، تسحب الكهرباء من دولة شقيقة لتعيد انارة باريس الشرق..ولو غرق ابناء الجيران في عتمة ابدية..

لقد شاءت فرنسا..تبدأ أعمال تنظيف الركام ووضع مخطط البناء الحديث لمرفأ معاصر
وتتحول الصورة من بلد تم زجها في واقع سياسي عسكري وحتي اجتماعي، الى بلد واهم بين وعود فرنسية خلبية، وواقع يائس..ببساطة يخرج حزب الله من لحظته كما خرج شاه ايران نفسه من مأزق سابق مع شعبه،بمساعدة فرنسا التي لا تعلن علاقتها مع ايران، صراحة.

ان كنا نحارب اراء فرنسا، علينا اولا العمل من أجل بلادنا كما يفعلون في بلادهم كي تبقى متقدمة.

علينا اعادة إحياء راياتنا وتلوينها بما يناسب هذا العصر بكل تعقيداته مستفيدين من تجارب دول تتمكن من البقاء واقفة صامدة امام المحن المتزايدة .عبر تسييد القانون والنظام والرؤية الشاملة، والقبول بوضع مصلحة الامة قبل مصالح الافراد.

نهى عبد الصمد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

ضياء عزيز رسام البلاط الملكي

التعليم الإلكتروني في السعودية