in , ,

دروس الطبيعة

إحدى التجـارب الفـريـدة التي حظيـت بها كـانـت في أحـد المعـتـزلات في الفلبـيـن فـي فـرصة لتعلـم الكثـيـر مـن الدروس ، المكان معدّ لتأهيل الرهبان لخوض أصعب الظروف لتأدية رسالتهم في خدمة هذه الأرض ، لذلك كان النظام صارماً جداً هنـاك؛ من الطعام إلى اللباس إلى النظـام اليـومي، لا هواتف خـلويـة ولا دهـون مع الطعـام ، الطعام نباتي غـالباً مع نسبة ضئيلة من الألبان ، ويطبق الصيام الكامل ل 24 سـاعـة كـامـلـة مـرة كل أسـبوع ، الاسـتحمام بالماء البارد ، واللباس من أبسط ما يكون ، والنوم على سـرير خشـبي بسـيط غير مطلي ودون فراش ، بعض الأمكنة ليس فيها كهرباء أيضاً . يبـدأ اليوم في الرابعة والنصـف صـباحـاً، وينتهـي فـي العـاشـرة ليـلاً و كلّ ساعة لها عملها أو طقوسها

قد تقول :” هل هذه حياة ؟ أو كيف يعيشون ؟” ، ولكن على أرض الواقع ستكتشف قدرتك الرهيبة على التأقلم ، خاصة في منطقة طبيعتها فائقة الجمال ، والأهم أنَّك هناك لتركز على شيء واحد وهو الاتصال بروحك أو روح هذا الكون ، سمِّها ما شئت .
ــ كـان الـدرس الأول هـنـاك أنَّ مـسـألـة الـحـضـارة التـي نـرفـل بـنـعـيمها الآن هي مسألة نسبة لا أكثر وبضـربـة واحـدة قـد تكتـشـف أنّـه يمكنـك الاسـتغنـاء عـن كـلِّ شـيء دون أن تفقـد سـاقاً أو يد ، فبعد أن تقضي يومين هناك ستعتاد نمط الحياة الغريب أو بالأحرى بضـعة أيـام أخـرى وتعتـقـد أنَّـك كنـت طـوال عمرك هكذا، وتبدأ باكتشاف متعة البساطة والتخلي عن تعقيدات الحياة المرفهة، فلا قلق من انتهاء الشحن ولا خـوف من تعليقـات الفيـس بـوك ولا تنـافـس على البيت الأكثر فخامة ـ أمّا عن المظهر وانتقاء الثياب سـيغـدو أمراً تافهاً لا يسـتحق التفكير ، فبعد أن تهـدأ وتيرة الحركة المستمرة بملاحقة المهام التي لا تنتهي تدخل في حالة من الانسياب والاسترخاء الذي تبعثه فكـرة أنَّـك لسـت مسـتعجـل لأي سـبـب كان ولا شيء يدعو للاهتمام ، تجـد كـلّ الحياة هنا والآن ، وأنَّ هذه الحياة قد تكون أيضاً غاية في المتعـة أحيـانـاً
فـالجـنـة المـتـجـسـدة عـلـى الأرض قـد تـبـدأ مـن أمـر بـسـيـط وهـو أنَّ تفكيرك المـجـنـون سـيـهـدأ قـلـيلاً ولـن تـضـطـر لـبـذل الـجـهـد فـي إبـعـاد أفـكـار الجـحـيـم تـلـك التـي تـحـوم فـي عـقـلـك عـادةً
يـعـيـش الـزوار هـنـاك للوقت الذي يختارونه ، ولكنَّ الرهبان يمضون في هذا الحال لمدة سنوات خمس قبل أن ينتقلـوا إلى الحيـاة المعتادة ويبدؤوا باختيار مشاريعهم الخيرية و رسالتهم الخاصة بهم
ــ الدرس الثاني كان أنَّه يمكنك أن تتبع القواعد و تضع معايير عالية وتلتـزم بهـا لفتـرة طـويـلة ولكنـك في النهاية إنسان ، ستضعف أحياناً أو تواجه مـا لا تستطيع التعامل معه أو ببسـاطـة يصـيبـك الملـل وتـرتكـب الأخطـاء فالكمـال يعني الفنـاء وهـو ليـس أحد مصطلحات الحياة على هذه الأرض ، فهؤلاء الرهبان الذين يتبعـون قـواعـد اليوغا الصارمة بحذافيرها ، وفيما يتعلق بمبدأ عدم الأذية تراهم يتلقون أي شيء بالصمت والهـدوء ، لا يثيرون شجاراً حتى لو حدث أمر لا يعجبهم على الإطلاق ، كـنـت أسـمعهـم يـرددون غـالـبـاً Everything is Paramabourosha
باراما بوروشا هو (الوعي الأسمى) أو الله الأعظم الذي يسع كل شيء، أمّا العبارة ككل فيقصد بها أن كل مـا فـي الكـون هـو حالـة انعكاس أو تجلي للإله على الأرض لذلك يجب احترام كل شيء، وكل كينونة أيّاً كانت الطريقة التي أرادت أن تعبر بها عن ذاتها، لذلك هم لا يقتلون أي مخلوق مهما كان، ويمكن التعامل مـع الأمـر في النهـاية لولا البعوض ؛ ففي تلك المنطقة المـدارية وبفعـل الحرارة والرطوبة العالية يصبح البعوض كبير الحجـم وشـرس يقـرص بوضح النهار ومن فوق الثياب وقد يسبب حساسية لا تحتمل غالباً
ـ وهكـذا فهـؤلاء الرهبان المسـالميـن جـداً والـذيـن لا يقتلـون أيّـة حشرة يتغامزون فيما بينهم لكي يبرروا قـتـل هـذا البعـوض الـذي يصـبح مشـكلة حقيقية : ” كل شـيء هـو الـوعي الأسـمى مـا عـدا البعـوض “ـ
Everything is Paramabourosha but Mosquito

آمال عبد الصمد

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

فيروز ليست ايقونة للفرجة

الدراما الكورية باب لم يطرق بعد