in , , ,

عن حواءوالتفاحة

آمال عبد الصمد

ــ تـحـكـي الأســـاطـيــر الـتـي نـجـهــل فـي أيّ عـهــد بــدأت أنّ الله قد خلق حواء من ضلع سيدنا آدم وأنهما قـد عــاشا فــي الـجّـنـة ، حيث سمح لـهـمـا التـلـذذ بكل النعيم هناك ( ما عدا شـجرة التـفــاح ). غـيـــر أنَّ إبـلـيــس قــد وســـوس فــي عــقــل حــواء حـتــى قـبـلـت وأقـنــعــت آدم بـأكـل التفاح، فـفـعـلا ! وغـضـب الـرَّب عـلـيـهـمـا وطـردهـمـا مـن الـجـنـة إلــى الأرض فـي لـعـنـة شــبـه أبـديّـة ــ ويـزيـد بـعـضـهم النكايـة بـلاحـقـة تضـفـي عـلـى حواء صـفـة الكذب والتحايل ؛أنّه بعد سقوطهما صـار آدم و حواء يبحـثـان عـن بـعضـهما ، فـكان آدم يبحث نهاراً ويستريح ليلاً فـي حيـن أنّ حواء تبحـث ليلاً ونهاراً ، حتى شاهدته مـرة مـن بـعيـد فـأزالـت صـخـرة مـن الأرض وجلسـت مكـانها ونادته، فـلـمـا اقـتـرب مـنهـا قـالت له : ” لقد انتظرتك طويلاً هنا، أنظر لقد طلع العشب حولي لطول الوقت ” ـ


ــ حكـايـة التـفـاحـة هـذه كـانـت أكبـر مـؤامـرة بالتاريخ ضد الإنسان لأنّها أبعدته عن الفطرة ، وفي حالة الفـطـرة وحـدها يحصل السلام ، حكاية خلقت لا ندري من أين أو ربما انتشرت لغايات مدروسة ، ولكن المهم أنّنا الآن نجني نتائجها ، بعد بضعة آلاف سنين من التطبيق

في الحكاية تضارب غير مفهوم( إذ كيف تم خلق المرأة عبر الرجل الذي لا يملك رحماً ولا قابلية ،ولم يحدث العكس رغم أنَّها مهيأة بشكل تام لهذا الأمر )
ــ الـحكـايـة تـعـلِّـم آدم أن يتهم حواء بخطاياه ، وألا يكون مسؤولاً عن اختياراته ، فهي تُظهر بأنَّ حواء التي أنـصـتـت لغـوايـة إبلـيـس وقـد دفـعـتـه لتلـك الخطـيئـة ، وكـأنّ آدم كان بلا إرادة ولا قدرة على اتخاذ قرار
ــ الأسطورة تحذر آدم من كلِّ كلمات حواء ، لأنَّـهــا رســمـتـهـا كـمـصـدر لـكـلِّ الـشــرور ” الإغواء ــ الخطر الذي يؤدي للهلاك ” ـ
ــ مـن جهـة أخـرى تـوحـي الأسـطـورة للإنـسان أنّـه لـو عـمـل الشـيء الـذي يـحـب أن يـعـمـلـه فـسـتـتم مـعـاقـبـتـه بـشـدة ، والـعـقـوبـة لـم تـكـن لإخـراج الإثـنـيـن مـن الـجـنـة فـقـط ، بـل كـانت سيادة الرجل علـى المـرأة فـي حـيـن كـانـت هـي الأنسب للـقـيـادة ، لـيـس بالضرورة لميزة التفوق ـ ففي الطبيعة لا يوجد تفوق ـ وإنَّما لميزات الحكمـة والحـب والاحتواء لـدى الأنـثـى. فنقرأ في الكتاب المقدس العهد القديم (التوراة )

وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً، وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».” (تك 3: 16)

وهكذا نجد أن الولادة ( ميـزة الخلـق المقـدس ) تتحـول إلـى لعنة ، و سيادة آدم أصبحت بمرسوم إلهي ، ونحن لا ندري هل هذا الجزء من التوراة قد عُدِّل وتم تغييـره أم أنَّه كان كذلك منذ البداية ؟ ، لكنّ النتيجة الـمـريـعـة أنّ حـواء مالكة مفـاتـيـح وحـكـمـة الحيـاة تحـولـت إلى تـابع ، والرّجل الذي يرى الدنيا صيداً وممتلكات فقط قد تحول إلى سيد ، ومن وقتها ضاعت مفاتيـح الحياة السـعيدة وضاع الطريق ، وها نحن نحصد النتيجة الآن إذ سجن الإنسان في وهم الملكية والإنجاز بحـيث يـســعـى طـوال عمـره ولا يصل ، يعمل ليل نهار ولا يرتاح ، فقدت النساء الأنوثة حين تم زجهن بذات البوتقة ، وتم الاســتخـفـاف بـمهـمـة احتواء الأسرة العظيمة
ــ الرجل والمرأة الكائنان الضعيفان اللذان بالاتحاد يكتملان أصبحا عدوّان أزليان ،يخدعان بعضهما بوهم الحب ولكن الحب الذي يقدمانه غالباً مزيف ، ويغطيان به على علاقة تغلبها المصلحة المتبادلة بلا روح ، فبدلاً من الرأفة و رعاية بعضهما تلوثت نواياهما بالكثير من الشوائب الدفينة .
هـل أكـل التفـاح حقـاً لعنـة ؟ الشـجـرة فـي الـجـنـة وفـيهـا ثـمـر أحـمـر شـديـد الغواية ،لمَ وجدت إذاً هناك؟ أليست شجرة التفاح هي رمز الجنس ؟ وهل حقا لم يرد الله للإنسان أن يعرف الجنس ؟ فكيف كان ينوي له إذا أن يبقى و يستمر؟
ـ حكاية التفاحة التي وصلت إلينا مشوهة قد مسخت كل الأشياء التي هي فطرة الحياة
هل المرأة حقاً عدو الرجل ومكمن حذره أم أنّها أمانه وسلامه؟ ومَن الذي يستفيد من هذه الحرب الطويلة؟
ـ الفكرة الخطيرة هنا أن معظم الديانات اللاحقة تبنت الحكاية على أنّها حقيقة
ــ وها نحن هـنا سـلالة هذه الحكاية وقاطفو ثمارها المرَّة ، نحن الذين نعيش الجحيم على الأرض كل يوم
ــ حيث يـتنـاقـل الـرجـال حـكـايـاهـم جهـراً عـن كيد المـرأة ، وتحذيراتهم من حبائلها ــ وتتناقل النساء سرَّاً حكاياتهن عن غدر الرجال ونكـرانهم ، وهكذا تمضي الحيـاة بين هاتين الحكـايتـيـن ، ومـن حـيـنهـا أصـمَّ الرجال آذانهم عن كلمات النساء ففوتوا الكثير من الحكمة والعطف، وحين صفعتهم الحياة لغرورهم فضَّلوا مواجهتها وحيدين ، وآثروا الانسحاب إلى كهفهم المظلم حتى الشفاء أو النسيان وتركوا النساء يجتررن الألم والوحدة
ـ حين تمَّ دق هذا لإسفين بينهـمـا كـانـت الغـايـة تـضـيـيـع الإنـسـان ، وقـد حـصـل ! و هـا نـحـن نـحـصـد ضياعاً تلو ضياع .
لذلك لا بد من استبدال العداء والخوف من الجنس الآخر بالحب والتعاون والتكامل حتى يتكسّر هذا الجليد ويلتئم الصدع وتنتهي الغربة .

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

دهشة البدايات … رفعة النهايات

القصيدة الحكيمة