in , ,

(Retour du la lune) مسرحية عودة القمر

ناهض سليم علبة

ـ “القمر سـوف يظهـر من جديد ” تلك العبارة التي ترددت في أنحاء المديـنـة علـى لسـان بسـطائهـا وأغنيـائهـا؛ حدث تناقلته كل وسائل الاعلام . ـ منذ زمن… لم يعد يظهر القمر، العشاق انكفؤوا على ذواتهم، تلك النافذة المشرفة التي كانت تخرجنا من وحشة الظلمة لترتقي بنا إلى عالم المحبة والجمـال ، كـلّ شـيءٍ حـولنـا أصبـح غريبـاً – وهـي توطئة لأن نكون غرباء حتى عن أنفسنا ، مشاغل الحياة وماديتها أبعدتنا وغربتنا أكثر، قانون الغاب أخذ يشق طريقه بسرعة ممتطياً جـواده الـجامـح ، جـواده الـبراغماتي، ويبقى السؤال “إلى أين نحن ذاهبون ؟” ـ

المشهد الأول

يدخل أحمد غرفته المشلوحة في ملحقٍ منسيّ في أعلى البناء، يشعل ضوءَ غرفته أحلام الصغيرة، للحظة يشعر وكأنه يضـيء العالم من نور غرفته أحلام، يتلفت في جدرانها المورقة باللوحات التي تنضحُ من يديه ألواناً وأحلاماً لا يسعها حتى الخيال؛ طبيعة بحالها، غـرفتـه أحـلام ؛ سـهول وأودية تجسدت في لوحاته من تعب السنين في يديه، تلك الجدران المثمرة بالمدن العتيقة، رسمها بيد حنـونة وقلب مرهف وحزين. ـ

يفتح درج خزانته، يبحث عن علبة السجائر، يحدقّ في مكتبته الصغيرة، ستة أشهر غاب عنها قضاها في العلاج، يحنّ إلى كلِّ شيءٍ في غرفته، يمعن فـي كتـابه الغـالـي (فقه اللغة العربية) لطالما عشقه وكأنه الحبيبة التي يبادلها الحب فتبادله الغرام، يحاوره، يسأله: “لماذا اللفظة نسميها وعاء ؟” ، فـيـأتيـه بحلـو الكلام وأعذبه “لأننا نسكب المعاني فيه ونصيغها كما نصيغ الذهب في قالبه ليعطي الحياة فيه ، لتورق أغصانه ” ، يلتمس كتابه، يداعـب حـروفـه المشرقة بماء الذهب، يلامسه وكأنه يلامس وجه حبيبته ، يتذكر للتو أن آخر من حملته يدا حبيبته أحلام ، يحاول أن يطابق يداه فوق يدي أحـلام ، يشم عطر الحروف ـ عطر حبيبته ـ وفجأة ينساب نهر من الحروف المضيئة ، شلال ماء بارد ينساب من أمامه يلفح وجهه الحزيـن ، يـنحـني إلـيه يـريـد أن يـتلقـف المـاء ، يضمه قبل أن يلامـس الأرض ، يـريـد أن يحـملهـا بيـن يديـه طفـلة وليدة تهادت على الأرض وطفل يحبو على ركبتيه المريضتين ، ليضمَّ وردته الندية ، لقد كانت رسالة أحلام ، وقد رست عند شواطئ قـلبـه ، يفتح الرسالة بيدين مرتجفتين وقلبٍ خافقٍ ، يريد أن يكسر أضلاعه ويفتح هو الرسالة بدلاً عن صاحبه، فقد أعياه الانتظار ليسدل الستار معلناً بداية المشهد الثاني (رسالة أحلام) . ـ

المشهد الثاني (رسالة أحلام)

ـ “حبيبي أحمد.. إنَّ حبنا الكبير أصبح ماءً عذباً طاهراً ، إنَّ حبنا الكبير عانقته السماء لتستفيق غيمة تمطر غيثاً لكل البشر ، كلّ من سمع عنه يا حبيبي يمم شطره إليه ، وكلّ من عاشه يا حبيبي تطهّر به ودعا لنا ، من أجل حبنا ، لا تحزن إنَّ أبي لم يرفضك لشخصك النبيل، بل رفض الفقر الذي أساء له يوماً” . ـ” آه يا حبيبتي ولكنّه أساء لحبنا الكبير ” يهمس أحمد بحرقة . ـ” نعم يا حبيبي أعي أنّك ستقول ذلك، لقد أساء لحبنا الكبير ، فالأيـام جعلته مادياً وهمه المال ، يريد من خلاله أن ينهض من فقره الجارح ..” ـ ” آه يا حبيبتي لكنّه جرح قلبنا !” ـ “نعم يا حبيبي لقد جرح قلبنا ولكنني أحسست بأن أبي يتألم من أجلنا، كيف حدث ذلك ؛لا أعلم ولكنّه يكابر على نفسه ، فكلّ من عرفك أحبّك وتأثر بـك ـ اصبـر يـا أحمد من أجل حبنا ، فشمسي تشرق لأجلك ” .ـ” نعم يا حبيبتي وتغيبين ليصحى قمرك في سمائي ” يهمس أحمد .. ” ثم أغيب يا حبـيبي ليطلع فجرك مقبلاً وجه حبيبتك تاركاً قبلة من الندى على خدها ، آه حبيبي كم أشتاقك ، أخبرني كيف صحتك ؟ هل ما زلت مريضاً أم تـعـافيت ؟ أخبرني هل عدتَ تمشي على قدميك ؟ ” ـ يبكي أحمد وفي دموعه قبلات تلثم كلّ حرف من حروفها .. ” نعم يا حبيبتي أنا بخـيـر ” يهـمـس أحمـد منـاجياً أحلام كأنها أمـامـه ، “عـنـدمـا بـدأت خطواتي تستعيد عافيتها أحسسـت أنَّ الأيـام أعـادتني طفـلاً يتعلـم كيف يخطو وهو فرحاً يراقص الخطوات وكأنني أراقصك يا حبيـبتـي ..” ـ ” الحمدلله يا حبيبي لقد أخبرني داني أنّك تحسّنت كثيراً ولكنني لن يطمئن قلبي حتى أراك، من أجلي لا تؤذي نفسك …. حبيبتك أحلام .” ـ

ـ يصرخ، يتألم، يبكي، يفرح ..لقد بدأ كلمات نثرية تملأ فضاء غرفته أحلام ، تنساب من فمه ، تعانق بشغفٍ دموعه التي رست على ضفاف فمه لترسم بصيص أملٍ بعودة القمر : ـ

قمرٌ في السماء وقمرٌ في قلبي …… فــاحـتــرتُ إلــى أيّــهــمــا ألــتــجـي

قمرٌ أفتقـده في ليلتي الظلماء……. وقمرٌ يحترق قلبي إن غادرته الحسناء

فجأةً يسمع همساً وطرقاً يحاكي الطاولة ، ويترافق مع اسدال الستار ليبدأ المشهد الثالث… ـ

المشهد الثالث

لقد كان وقع حديث داني على الطاولة .. ــ أحمد :”منذ متى وأنت هنا ؟ ” ـ داني : “منذ حملت يداك الرسالة .” ـ أحمد “ لم أشعر بك أبداً يـا صـاح . ” ـ داني ـ ” تركتك معها ؛ مع حبك الكبير ، أوَ ترضى لصاحبك أن يكون عزولاً ؟” ـ أحمد : ” ههههه ما أجملك حين تشاطرني أحزاني وأفراحي ! .” ـ داني ” ههههه وما أروعك حين ترسم ضحكة على وجهك الحزين ! ، لكن أخبرني في هذين البيتين ، أرى أنَّ رومانسيتك عالية اليوم ، إذاً في رسالتها الكثير ، قمراً أعرفه، فما قصة القمر الذي في السماء ؟ ” ـ أحمد: ” آه يا داني وهل لي أن أنسـى الرومانسية ؟ إنني أشتاقها في كلِّ لحظة ، أقلّه تخرجني من بؤسي !” ـ داني : ” دعنا يا أحمد من الحزن ، فإنك تؤلم نفسك أكثر . ” ـ أحمد : ” مخطئٌ أنت يا داني ، أن نعرف حقيقة أحزاننا خيرٌ لنا من تجاهلها ، هل نسيت مقولة سقراط : اعرف نفسك ! .. لا يمكـن لنـا معرفة الآخرين قبل أن نعرف أنفسنا ، نحسها ، ونشمها وكأننا نشم وردة ، وعندما نعرف حقيقة ذاتنا ، نطيبها بكلّ ما ملكت أرواحنـا من عطـور أعمـالنا ، فنطلقها أريجاً في السماء ، لتمطر غيثاً في قلوب الناس ..” ـ داني : ” تعرف يا أحمد إنّ كلامك هو عين ما قاله الكاتب {روي ليمون } : من لا يجد بابا نويل في قلبه لن يجده في جذع شجرة صنوبر .. كلامك رائع يا أفلاطون ومؤلم لأنّ الكثيرين يستنكرونه ..” ـ أحمد : “إذا قلت لك أنَّ المآسي تجعلنا أشخاصاً بالكاد تشبهنا كما الحبّ أيضاً ! .. ” ـ داني : “ ألهذه الدرجة يا أحمد ؟ .. ” ـ أحمد : ” نعم يا داني ، فالحدث قد يحول الشخص إلى انسان آخر تماماً .. ” ـ داني : ” أرى أنّك تقصد شخصاً إما إيجابياً أو سـلبيـاً ؟..” ـ أحمد : ” بالضبط يا داني . ” ـ داني:” أهناك معياراً أو قانوناً يجعل هذا الشخص سلبياً أو إيجابياً يا أحمد ؟.. ” ـ أحمد : ” إنَّ كـلَّ قضية أو حدث يفرز شخصيات متنوعة ، المعيار دائماً يكمن في تركيبة الشخصية وطبيعة الحدث ، فكلما كان لدى الشخص معالجة منطقية للحدث كلما كان متفاعلاً معه ، وبالتالي يتأقلم معه شيئاً فشيئاً لينتقل إلى مرحلةٍ أكثر رقيّاً .” ـ داني : ” نعم يا أحمد يحدث تـطـور للـشـخصية من طور التأقلم إلى مرحلة فيها ابداع أكثر ، الآن بدأت أفهمك يا أفلاطون ، لكن قل لي ما قصة البيتين ؟ ولندَع فلسفتك على الصبح يا رجل .. ” .. ـ أحمد : ” ههههه ألم تسمع ؟ ” ـ داني : ” لا ، أخبرني ، شوقتني أكثر . ” ـ أحمد : ” إذاً تريد مني ان أعود بك إلى فلسفتي هههههه (وجنت على نفسها براقش ) .” ـ داني : ” وأخيراً ضحكة يا رجل .” ـ أحمد:” تعرف يا داني، إنَّ الجمال الحقيقيّ لا يمكن أن نراه إلا إذا كان هناك اجماعٌ عليه “. ـ داني ” كأنك يا أحمد تقصد تمـامـاً عندمـا ننظـر إلـى القمر فهناك اجماع عليه ؟ ” ـ أحمد : ” بالضبط يا داني لقد أصبت في شاهدك ، كما يقول كانط (إنَّ عشاق الجمال هم الباحثون عن التوافق )” . ـ داني : ” الآن عرفت ماذا كنت تقصد في هذين البيتين.” ـ أحمد : ” ههههه أراك أصبحت رومانسياً” . ـ أحمد : ” إليك البيتين يا صديقي

قمرٌ في السماء وقمرٌ في قلبي …… فــاحـتــرتُ إلـى أيّهـمـا ألـتجي يا ربي

قمرٌ أفتقـده في ليلتي الظلماء……. وقمرٌ يحترق قلبي إن غادرته الحسناء

ـ داني : ” كأنك تقول يا صاح أنَّ صاحبك هذا لم يقصد الحيرة في هذا المقطع ؟ ” ـ أحمد : ” تماماً ليس الحيرة بحدِّ ذاتها ، إنَّ هناك أشياء رائعة جداً وإن كانت بعيدة عنا ، فلا يمكننا العيش بدونها مثـل القمـر والشـمـس ، كمـا في حالـة القرب من الذين نحبهم .” ـ داني : ” آه يا أحمد حديثك جعلني أشعر فجأة أن هنـاك معـانٍ جمـيـلة افتقدناها منذ زمن ، إنّي أشعـر بأننـي كنت خاوٍ من الداخل ، حديثي معك جعلني أحسُّ بأنني كنت غريباً لم أشعر بالسعادة من قبل ، كلامك جعلني أسمو ” ـ أحمد : ” هذا ما كنت أقده بالحديث معـك منـذ بـدايـة حوارنا وهذا ما كنت أفعله مع والد احلام ، ربما حدث أو موقف يكون البوصلة التي تصحح الطـريـق لـنـا ولـكـن الانسان يبقـى ظـلومـاً لنفـسـه ، ومـا يـؤلمني حقّاً أننا لا نرى الحياة كما يجب ، إنَّ الحياة جميلة وفيها جمال وجمال ولكن الانسان يدفعها إلى الجحيم .” ـ داني : ” تمهل يا أحمد، أسمع صوتاً على الباب، من يا ترى ؟ ” ـ أحمد : “ لا أعرف يا داني قلبي يقول أن هناك قمراً على الباب .” ـ داني وهو يبتسم : ” لنرى قمرك هذا ” ويضحكان معاً ههههه

يذهب أحمد بخطوات متسارعة ليفتح الباب ، ويحس أنَّ الباب أصبح بعيداً عنه وأخيراً وصل وأحسَّ أنَّ الباب شفافٌ ، يرى نوراً من خلاله ، يتعالى موج في صدره ، أصبح قلبه قارباً تقذف به أمواج الشوق ، ” يا الله ! أتكون هي ؟ ..” ـ يفتح الباب بيدين تصارعان الأقدار ” هل يمكن أن نغير أقدارنا ” ـ يحدث نفسه هامساً ـ لقد كان قدره الذي أحبَّ ينتظر خلف الباب ليفتح الحبيب قلبه لها ، نعم لقد كانت أحلام !.. ليسدل الستار معلناً مجيء أحلام ..ـ

المشهد الرابع

لحظات تمرُّ خارج الزمن فوق رسم الخيال ، عناق الطيور في السماء وغيث يمطر حبّاً وخيراً ، منذ زمنٍ لم يمطر الحبُّ غيثاً ، لقد امطرت السماء لنا غيثاً من مطر … ـ أحلام : ” آه حبيبي كم اشتقت إليك ، امش قليلاً أمامي كي أراك ” ـ احمد : ” عيناكِ غيثٌ من مطر …. بالخير دمعه واهباً …قمح البشر …ينسابُ طيفاً عاشقاً … ينساب عذباً كالحلم ..، لقد عدنا يا، حبيبتي أنا بخير يا أحلام ” ـ داني مبتسماً : ” ما اجملكما يا أصدقائي ! ” . ـ أحلام : ” شكراً لك أيها الصديق ، فرحتي بعودة أحمد وهو يمشي أخذتني لسنوات ، شكراً يا صديق الوفاء . ” ـ داني : ” لا تبالي يا أحلام ففرحتي بكم جعلتني أشكر الله لمعرفتي بكم .” ـ أحلام : ” هيا أخبراني عمّا كنتما تتحدثان ؟” ـ أحمد مبتسماً : ” نعم كنا كالعادة نناقش الجمال “.. ـ أحلام وهي تنظر في وجه أحمد بابتسامة مشرقة : ” إنَّ الله جميلٌ ويحبُّ الجمال ، لقد رسم الجمال على عينه ، تصور يا داني المشهد البديع للشمس وهي تجري جريان الطيور هبوطاً وعلو ، والكواكب تتبعها بحركةٍ حلزونيَّةٍ ، لقد قرأت هذا الاكتشاف مؤخراً في مجلةٍ علميّةٍ ، ولكن يا داني عد إلى قوله تعالى في سورة ياسين { والشمس تجري لمستقر لها ، ذلك تقدير القدير الحكيم } .. ” ـ أحمد : ” نعم يا أحلام ” وفي وجهه ابتسامة ” إنَّ الشمس تجري وكل الكواكب تتبعها بشكل حلزونيّ وكلٌّ في مساره سبحانه ، ما أجمل هذا المشهد! ويقول تعالى { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ، وكلٌّ في فلك يسبحون }” .. ـ داني : ” ما أجمل الله يا أحلام !معكِ حقٌّ ، تخيلي أنَّ الزهرة حتى تتكون يلزمها سبعة عشر عنصراً في تركيبها لتصبح زهرةً نتغنى بها” . ـ أحلام : ” صدقت يا داني ونحن غافلون عن هذا “. ـ أحمد : ” نعم ونحن مشغولون عن جمال الكون ، فبدل أن يحب الانسان أخاه الانسان ويبني معه يداً بيد كلَّ شيء جميل ، ينفر منه ، ويقتله حيناً لموقف أو لوجهة . ” نظر داني : “ألا ترى معي يا أحمد أنَّ كلامك يتقاطع مع قصة التايتانك ، تلك السفينة الساحرة التي أبدعها الانسان فكانت ضرباً من الخيال ، وظنَّ أنَّه يتحدى الكون بها ولا سبيل لغرقها ، أرى يا أحمد أنَّ الغرور والعظمة كانا وراء اقتحام الجبال الجليديَّة و أنَّ مأساة التايتانك تتكرر في كلِّ لحظة ، آه يا أحمد إنَّه الانسان لما قلت {يبقى جهولاً}” .. ـ أحمد : ” ما أجملك يا داني ! كم هي فرحتي بمعرفتك كبيرة !”. ـ داني : “ تذكرين يا أحلام عندما تعرفت عليكما ؛ في مسرح الجامعة ، لقد كانت مسرحية عطيل لِ (وليم شكسبير ) و كنتِ وقتها رائعة في دور ( دايداموند ) “. ـ أحلام : “ نعم يا داني كانت ذكريات رائعة ، لقد تأثرت كثيراً بشخصيتها إلى أن أمطرتني السماء بدايدموند الثانية ، ولكن من يرى بصيص نور في كفه سيتبع الأثر ولابدَّ أن يصل “. ـ داني : ” معكِ حق (دايداموند) تلك الفتاة الثرية ابنة التاجر الكبير ، يتمناها كل الأمراء وهي لا تريد إلّا (عطيل) ذاك الحبيب الفارس العربي الذي يملك المروءة والفضيلة ، أذكر جيداً مقولتها لأبيها “إنني أرى وجه عطيل في عقله “ ـ

I see his face in his minde

ـ أحمد : ” ما أروعكم ! لقد لمستم عين الجرح ، مؤلم حقاً أن يعي الغرب حقيقتنا أكثر من أنفسنا .” ـ داني : ” نعم يا أحمد ، لقد ذكرت في حديثك مقولة سقراط عندما نعرف حقيقة أنفسنا نستطيع معرفة حقيقة الآخرين وما يملكون من فكر ... ” ـ أحلام : ” إنَّ الغرب أخذ بالمقولة وهذا يفسر سرَّ تطوره .” .. ـ أحمد: ” كلُّ الجمال استفاق على وجه دايداموند لحظة جوابها بأنها ترى وجهه في عقله ، إنَّ دايداموند رمز الحضارة الغربية عرفت ما يملكه العربي من سحر ، وبدأت تحيك ثوبها الحضاريَّ بخيوط عربية لتسحرنا بجمالها فيما بعد ، والمضحك أنَّ هذا السحر هو ابن حضارتنا وليدها الذي نشأ في صحرائنا العذبة .”.. ـ داني : “ ما أروعك يا أحمد ! عندما تغوص في أعماق الأفكار ، نعم يا صديقي لقد كان جوابها برداً وسلاماً على العشاق و ناراً ودخاناً على أبيها ” ـ

وتعلو ضحكات جميلة على صدى جملة داني الأخيرة .. ـ أحلام : ” سامحوني يبدو أنَّ الكلام سرقنا وتأخرت ، سأغادر ” ـ يودع أحمد أحلام ، وعند الباب تهمس له قائلةً : ” إنَّ أبي يسلّم عليك يا حبيبي ” ـ أحمد : ” أحلام ،ماذا قلتِ ؟ ” .. تغادر أحلام مودعةً أحمد وتهمس له : ” لن أكون إلا لكَ يا حبيبي ” ..ـ

المشهد الخامس

ـ داني : ” أراك عدت سعيداً جداً ” ـ أحمد : “ نعم يا صديقي إنَّ حالي الآن كالمثل الصيني القائل ( إذا كنت تحمل غصناً في قلبك فاعلم أنَّ العصفور سيقف عليه مغرداً ) ” ـ داني : “ قل يا رجل هات ما عندك، ألم ترد منذ الصباح اخباري خبراً مفرحاً” ـ هنا يضحك أحمد وكأن العالم كله يضحك معه :” نعم يا داني إنه (عودة القمر)..” ـ داني:” أعد أرجوك ماذا قلت ع و د ة القمر” ـ أحمد:” هذا الذي كنت أبحث عنه في داخلك وداخلي وداخل والد أحلام، عودة القمر هو عودة الروح والحب السامي الذي يجعل روحنا تسحر كزهرة نديَّةٍ عند الفجر، تتبلور شخصيتنا ، كذلك يا داني وتتطهر من غبار الأيام “ـ

بداية سقوط الليل

الكلُّ يترقب هذه الليلة، هناك حشد كبير من الناس بدأ يتوافد إلى الساحة الكبيرة الكلُّ متحمسٌ ليرى القمرَ، الكلُّ من غير وعي بدأ يبحث عن أعزِّ شخصٍ كان يرى فيه نصفه الآخر، يرى فيه أحلامه ويرى فيه انبثاق النور من كل شيء جميل ونوره على كل شيء قبيح في حياتنا.. كلهم تجمعوا وكلهم التأمت جراحهم وبدأ الإحساس يعود إليهم رويداً رويداً ، إحساسنا بالآخرين هو إحساسنا بأنفسنا هو الوجود الكلي، القمر حالة جمال وحالة صفاء وصدق إنه خير البشرية، إن وجود القمر في السماء أمر حتمي ومنطقي ولكنه أشبه بالحلم.. لم نعد نراه لأننا لم نعد نحسه في داخلنا، إننا نراه في عيوننا فقط وغيابه كان من صنعنا من نتائج أفكارنا من كل شيء سيء في افعالنا .. وحالة القمر تكون حقيقية في داخلنا في (صفاء نفوسنا ونقائها ) كما نرى النجوم في لحظة صفاء ، فإن غيبها الغبار والغيوم لم نعد نرى شيئاً لكنها موجودة هناك خلفها ، وكذلك أنفسنا يا داني هناك جمال حقيقي في داخلنا ولكن علينا ان نظهره أو يساعدنا الآخر فيه ، إنه الحب السامي الذي ينبع من القلوب وتهتدي إليه كل القلوب

مشهد الختام

ـ عودة الروح لكل الناس وعودة داني وأحمد وعمه (والد أحلام) وحلمه الكبير أحلام.. ـ أحمد: ” تعلمين يا أحلام، منذ متى لم نلتقِ تحت ضوء القمر؟” ـ أحلام: “ كم مضى على لقائنا الأخير يا أحمد؟ ” ـ أحمد: “ منذ أن غادرنا القمر ، عندما يغادر الحب قلوبنا ، عندما ينأى الجمال بعيداً عن مرفأ عيوننا، ماذا يبقى لنا غير صرير الأبواب وأسمال جسد؟ ماذا يبقى لنا الا السراب ؟؟ لا ترحلي حبيبتي ، فأنا الغريب في رحيلك، تتساقط أوراقي حين ترحلين ، عندما تغادر الحروف شواطئ الكلمات ماذا يبقى لنا من الأسماء؟ يرحل شوقنا فتبرد كلماتنا وتتساقط حروفنا حرفاً حرفاً بل أحاسيسنا تتلاشى شيئاً فشيئاً...”..ـ

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

“جسفت” تدشن فرعها الجديد في عرعر

بمشاركة 1000 إعلامي و200 شركة وعدد من المنظمات العالمية: الحارثي يعلن اكتمال الاستعدادات لإطلاق المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون ومعرض مستقبل الإعلام في الرياض