في إسـهـامـه الهـام “جمـاليـات المكـان” يشـطـح [بـاشـلار] بخـيـاله الشـعري ، ليقول بأن المكان هو “المكان الأليف لدينا”، والمكانية في الفن والأدب هي : تلك التي تخرمـش وتخـربـش وتحـكُّ الـذاكـرة لـتثـيـر روح الطفولة المكتظة بالمكان .. إذاً ، فجماليـات المكـان هي التـي تقـودنـا إلى مكـامـن الحب والألـفة والأُنس، ولم يكتب عن المكان العنيف .. ـ
ـ يقـول : “إنَّ مكان الكراهيـة والصراع لا يمكن دراسته إلا في سياق الموضوعات الملتهبة انفعالياً والصور الكابوسيّة ، هنا سنكتفي بالصور التي تجذب” . ـ
أمَّا الفنان، فسـيـؤلـف لـوحـة جديدة على شاكلة ” جماليات المكان “، لكنَّه لن يُعير الصور التي تجذب وتشدُّ، بـل سـينظر من فتحة عينيه الدامعتين والداميتين إلى الذي لـم يـرده بـاشـلار ، أي إلـى المـكـان العـنـيـف الـذي يـزعـق فـوقـه الغـربـان والبـوم اليـوم ، لكـن مـن مـنظـور مخـتلـف : قـاطـرة العـنـف مـرَّت مـن هنا، وتعطَّلت هنا، وسيرسم المكان في صورة ريح عرَّارٍ وسط عراء مُهشَّم، وسيلتزم بكل مناهـج الخـراب والغياب، ليبحث عن روح الخراب والغياب، وروح المقابر المبعثرة، وساحات القتال والشتات، وعن قـوائـم الأشـيـاء التـي كـانـت تخصـه وتلاشت، تلك التي دغدغت ذاكرته واستوطنتها، وسيتأمل جيداً على ما اعتبره باشلار مكاناً معادياً لمكانه الألـيـف – الأنـيـس – المُحب ، فـأغـفـل عـن ذكـره ( مـكـان الكـراهيـة ، والصـور الكـابوسيّة العنيفـة والمتـوحشـة والقـاتلة والمرعبة ) . ـ
هـكـذا سيعيد الفنان تأسيس الكينونة (المكان – الذات ) من العدم ، ومادام الأمر يتعلق بالتفكك ، تصبح لتفكيك الجماليات أهميتها . ـ
ــ يقـول أحـدهـم : ” لأننـي مسـكـون بـالطفـولـة ، كـانـت ومـازالـت ذخيرة ثرة لتجربتي ، طالما عدت إلـيـهـا فـي حـالات أحتاج فيها إلى التوازن فتستعفني في ما أريد، فهل هـنـاك حـالـة تـطلبـت التـوازن أكـثـر من الهوة التي وجدنا أنفسنا فيها بين رؤيتين..؟ “، في المكان ، وبعده .. ـ
محي الدين ملك
Comments
Loading…