in

النرجسي . غرور يغرق صاحبه

سنتحدث في هذه السلسلة عن النرجسية التي كَثُر الحديث عنها مؤخراً ،وانتشـرت دراسات كثيرة حولها ،ولمعرفة أسباب هـذا الاضطراب في الشـخصيـة والسلوك ، ودراسة نتائجه و آثـاره السـلبية والخطيـرة جداً على المجتمع ككل وعلـى جمـيـع المحـيـطيـن بالـشـخـص النـرجـسـي . ـ
بـدايـةً ، سـنعـود فـي الحـديث إلى أسطورة [نرسيس] ذاك الفتى الجميل جداً الذي وقع في غرام نفسـه عندمـا شـاهد صورة وجهه في المـاء ، وكلما حاول ملامسة صورة وجهه ،اهتزَّ الماء واختفت صورة الوجه الجميـل ، فقبع نرسيس مطولاً عند ذلك النبع ينتظر معشوقه صاحب الوجه الذي وجد فيه سحراً وجانباً من الحسن والجمال لم يستطع مقاومته ،ومن شدة وقوعه في عشق صورته لم يستطع المغادرة وأطال المكـوث ، فأقـام طـويـلاً يتغـزل عـاشـقـاً لصـورة وجهـه ، ثم فقد رغبته بالطعام وأعياه التعب والانتظار وهو يحاول معانقة معشوقه وملامسة ذاك الوجه الجميل ، تكـررت محـاولاتـه عـبثاً، وكان نرسيس يصاب بالهزال ،وتلاشى ومات عند النبع ،وبعض الروايات تـقـول أنَّـه رمى بـنفسـه لـيمسـك معشوقه فغرق ومات ، وفي ذلك المكان الذي مكـث فيه [نرسيس] ينتظر معشـوقه ،نبتت زهرة رائعة الجمال سميت نرسيس على اسمه : ( نرجس )
وهـكـذا تحـوَّل الفـتى الجميـل نرسيس إلى نرجـس ،ومنه إلى (النرجسية ) ، ولا ذنب لنرسيس في أنّ مجموعات كبيرة من الناس تنسب إليه .
وبعـد اطـلاع عـلـمـاء النـفـس علـى قصـته ،جعل علماء النفس (النرجسية ) مصطلحاً للدلالة على كل مغرور تياه ،معجب بنفسه ،حتى ولو لم يكن يمتلك وجهاً جميلاً كوجه نرسيس ..ـ
يمكن القول أنَّ النرجسـيون ينتشـرون بـأعداد كبيرة في أيامنا هذه ،وفي كل المجتمعات وليس فقط في المجتمعات التي تشجِّع على السيطرة والإلغاء في تربيتها ،فيوجد سمات معينة لهذه الشخصية المضطربة التـي تحـبُّ نفسـها وتفضِّلها وتشعر بالاستحقاقية وترى أنَّ على الجميع أن يقوموا بخدمتها وتقديرها .ـ
ــ النرجسـيّ : شخـصٌ أناني متكبر مغرور لديه ورم لذات مضطربة ، مليء بعقد النقص والدونية التي يعمل على إخفائها بآلية واعية أو غير واعية ، فنلحظ عنده المبالغة في الغرور والتكبر وإهانة الآخرين والحط من شأنهم ليشـعـر بـوجوده وكيانه ،وإذا ما حالف الحظُّ النرجسي واستلم مواقعاً قيادية أو إدارية فـإنَّـه سـيقوم بأفظـع التصرفات ،خاصة وأنَّ النرجسي لا يملك منطقاً واضحاً ،فهو يغيّر قراراته حسب مزاجه المتذبذب أو مصلحته الخاصة …ـ
النرجسية من أخطـر الاضـطرابات النفسية والشخصية وتكمن المشكلة الأكبر في النرجسي الخفي الذي يصعب التعرف عليه ، بل نجـد محيطـه ممتلـئاً بالمشـاكـل والقلـوب المتنـافـرة التـي هو من سببها ،فهو بارع فـي اختـلاق المشـاكـل مـن خلـف السـتـار ثـم يتـوسـط بـيـنـهـم بحـكمته الكاذبة ،وبعباراته اللطيفة والمـعسـولة مستشهداً بالآيات القرآنية وسير الحكماء ، فيلبس الثعلب قناع الملائكـة بعـد أن قـام بشـحـن القلوب والنفوس بشرارة الكره عبر أكاذيب بثَّها بينهم بهدوء وبمنهجية خبيثة …ـ
النرجسي شـخـص متـلاعـب ،خبيـث ،وليـس فقـط مغرور وأناني ، وهذه الشخصية خطيرة جداً في أي مكان وفي أي زمان حتى أنَّها كانت سبباً للحـروب والنزاعات الكبرى في كثير من الأحيان ، ولابد من الإشـارة لإدراك المعلـومـة وأهميتها للحد من خطرهم على الأقـل ، لأنَّ الإنسـان عنـدمـا يفـهـم ويـدرك سـمات هذه الشخصية والأسـاليـب التـي تسـتعملهـا فـي التلاعب فإنّه يعرف كيف يتصرف وكيف يبتعد نفسياً وفكرياً عن هؤلاء الناس حتى لو كانوا أقرب الناس إليه ،لأنَّ الانصياع لرغبات هؤلاء الأشخاص سيفضي إلى خراب في العلاقات والنفوس يصعب إصلاحه لاحقاً .ـ
يتبع لاحقاً …..ـ


هيام نحلي

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

اللغة والهويّة

تخليدً لآثار العظماء و مآثرهم كتاب يرصد الاخبار الصحفية المنشورة للملك سلمان بن عبدالعزيز من 1354هــ إلى 1407هـ