in

الفن وأطياف التحول

لا شيء يبقى على حاله، وكل الأشياء في تحول مستمر.. ـ
في 1781 يرسم [ هنري فوسيلي ] أكثر اللوحات رعباً في تاريخ الفن والعالم ( الجاثوم – الكابوس – الرعب) ، و [ فرويد ] يقرأ مكبوتـات اللوحة، ويبدأ بالتنقيب في الأقاليم المجهولة للنفس ، وعن تقلبات اللاوعي؛ عن “عسر الحضارة” و”وهم المستقبل”.. ـ

في 1818 تكتب [ ماري شيلي ] روايتها ( فرانكنشتاين – العالِم المهووس بالهندسة الوراثية )، يقول لنفسـه: “قريباً سيحيى هذا الرجل”، وبعد قليل يصرخ: ” ما الذي فعلته ؟ يا للكارثة !. مخلوق قبيح ينفلـت منه ، وتتـوالى الأحـداث المـرعبة ؛ يقتل المسخ شقيقه، وبعد فترة يلتقيان ، يطلب المسخ منه أن يصنع امرأة له ، لأنَّه تائـه ووحيـد في عـالـم لا ولـن يقبلـه أحـد.. لكـنّ فـرانكنشـتاين يرفض، خوفاً من الخطر الذي قد يلحقه المسخ بالبشر، فيواصل المسخ ارتكاب جـرائمه، وهذه المرة يقتل أعزّ أصدقائه ، وزوجته، يقرّر فرانكنشتاين البحث عنه، فيتجه إلى القطب الجنوبي، وهناك، هناك يعثر على مجموعة مـــن البحارة المستكشفين، بعد أن يحكي حكايته يموت، جاء المسخ ليلقي على صانعه نظرة أخيرة، توقف لحظة، بكى، وبندم قال: “هذا ما جنيته أنا! لقد فعلت به هذا”. وغاب في ظلماته بلا أثر، وإلى الأبد.. ـ

في عام 1837 تتكـاثـر أشكال التقدم التقني ، ويبدأ [ ماركس ] في التساؤل عما إذا كانت مواهبه في مستوى مطامح طفولته.. في عام 1841 ، يقع أسـيـر روايـة ( فـرانكنشتاين ) ، تؤثر فيه تأثيراً قويّاً.. ويسـتمـد منهـا اسـتعـارة “مصاص الدماء” عن وحشية رأس المال، وشـقـاء الإنسـان روحـيـاً ( نتـاج وانعكـاس مشـوّه للظـروف الاجتمـاعيـة التـي يعيشـهـا) ويسـأل عـن مـدى تعـرّض الأحلام للخطر.. ـ

في عام 2016 يمحو الظلام ما تبقى من الظلال، يستعرض [سليم بركات] في روايته (سبايا سنجار) لـوحـة فـوسيلي، يقتنص منها اللون المقلق – الوحشي ، ويروِّض المعاني المذعورة، يقول على لسـان إحـدى الضحايا : “وجـه المسـخ وحده ظهر جلياً – منفصلاً عن جسده – علـى عنقـي، ذراع الحسناء المتراخية من حافة فراشها حتى الأرض ظهرت على الجهة اليمنى من صدري، وظهر شعرها على عضد ذراعي اليمنى، قريباً من جسد المسخ، رأس حصان من الجحيم، لا أعرف أحصنة الجحيم كيف تكون “ـ

في 2020 كابوس “كوفيد 19” يتعرى على صدر ضحاياه، يفتك بطريقة متقنة في جحيم العلم الفاتن

في 2021 يـدور تيـهٌ حـول التِّيـهِ ، ينحـرف عن المسـار، لكن لم يشغله شيء عن هدفه، من يدري ما تتضمنه أنقاض الحديد ؟.. ـ

أيمكن القول – ببساطة: ” كل شيء يُختزل بين خفقتين بالأذرع – دون مزيد من التفسيرات – تنقضي رحلـة الحياة (عاجلاً أو آجلاً) مثلما هو معروف، ستمحو رياح الزمن الآثار، عبور اللاشيء، عبور اللاشيء، خطوات اللاأحد ، أفواه الزمن تروي الرحلة “، وتـوثـق حكـايـة اللـوحـة، التـي تتفـرع مـن تحولاتها أسماء تسكننا، وعناوين نعيشها !.. ـ

محي الدين ملك

Written by Editor

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

ـ ” النرجسيّ ” غرور يغرق صاحبه / 3 / ـ

ـ ” النرجسيّ ” غرور يغرق صاحبه / 4 / ـ