in

نقش النمارة. شاهدة امرئ القيس تتحدث


على مقـربـة مـن منطقـة النمـارة فـي الصـفا شرقي جبل العرب القائم جنوب سورية وجد عالم الآثـار الفرنسـي رينيـه دوسـو عـام 1901 حجـراً ضـخمـاً يحمـل نقشـاً عرف أنّه شاهدة قبر للملك اللخمـي [امرئ القـيـس بـن عـمـرو] ثـانـي مـلـوك الـحـيـرة ، لـيـس من السـهل زيـارة المكـان الذي وجد فـيه القبـر، حـيـث عـلـى الـمـرء أن يـسـيـر لأكـثـر مـن سـاعـة ؛ مـن الـطريق الـمـعـبـد بـالـقرب من ســد الزلــف فـي البـريـة الـوعـرة للـوصـول إلـى المكان ،خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الـبـلاد مـن قـلـة الأمـان فـي الـمـناطق النائية ، وقد تكون الزيارة الافتراضية مطروحة أكثر كوننا لن نستفيـد علمياً من تلك الزيارة سوى مشـاهـدة المكـان الـذي وجـد فـيـه الـحـجـر الـمـعـروض الآن فـي مـتـحـف الـلـوفـر في باريس ليـس إلا .

ـ لقـد عثـرت عـلـى صـورة الـشـاهـدة عـبـر الإنـتـرنـت ، وقـد سـبـق أن عرضت الصورة مع النص الـنـبـطي وتـرجـمـتـه إلـى الـعـربـيـة في معـرض خـاص بجمعـيـة العاديات في السويداء قبل سنوات
ـ خلال أكثـر من مـئـة عـام عـلى اكـتـشـافـه عُـرِفَ هـذا النـقـش – كـمـا أسـلفـت – أنَّـه شــاهـدة قـبـر الـمـلـك امـرئ القـيـس بـن عـمـرو (مـلك الحيرة) ، لكن ومنذ أن قرأت عن ذلك قبل ثلاثين عاماً وأنا أتسـاءل عـن دفـن الملك امرئ القيس في ذلـك المكـان القفـر الـذي يبعـد عن الحيـرة مئات الأميال !!ـ

بقايا القبر الذي أخذ منه النقش عام 1901/ جنوب سورية

كتب النص بأحرف نبطية بلهجة قريبة جداً إلى العربية، ويعتبر أقدم نص عربي تم اكتشافه حتى الآن
ـ هـذه تـرجـمـة الـنـص كـمـا ورد في الترجمة العربية لكتاب دوسو (العرب في سوريا قبل الإسلام) .. والنقش يتألف من خمسة أسطر ترجمت في الكتاب كما يلي : ـ

صورة للنقش المعروض في متحف اللوفر وتحته كلماته بخط واضح
ـ ” هـذا هـو قـبـر امـرئ الـقـيـس بـن عـمـرو ، مـلـك جميع العرب ، ذلك الذي كلل بالتاج ، ذلك الذي أخضع (قبيلتي) أسد و(قبيلة) نزار وملوكها، هذا الـذي شـتـت شـمـل مـذحـج حـتـى يـومـنـا هـذا ونـال نجاحاً في حصار نجران بمدينة شمار ، وذلك الذي أخضع معد، ذلـك الـذي ولـى أولاده علـى القبـائـل ونــدبـهم لـدى الـفـرس والـرومـان ،لم يصل ملك إلى مجده حتى يومـنـا هـذا ،ومـات عـام 223 فـي السـابع من كسلول لتنعم ذريته بالسعادة (1)
ـ ويعادل التـاريخ المذكور في النص السابع من كانون الأول 328 للميلاد، بعد إضافة 105 سنوات، حيث يبدأ التاريخ الذي دون فيه بعد سقوط المملكة النبطية عام 106 م ، وقد عرف هذا التقويم بتقويم بصرى ، عاصمة ما عرف بالولاية العربية Provencia Arabia


ـ بـدأ النـص يثيـر الجـدل منـذ اكتشـافـه فـجـاء تـحـديـد امـرئ القيس أنَّه ملك الحيرة افتراضياً من قبل دوسو نفسه بعد استبعاد أن يكون ملكاً غسانياً حيث تتشابه أسـمـاء المـلـوك بـيـن الـمـمـلكـتـين الغسانية واللخمية، ويستشهد دوسو ببحث الأستاذ روينشتن عن اللخميين أنّ اصطلاح ” ذا التاج ” قد خصص تقريباً لملوك الحيرة ،ولـم يـطلـق إلا نـادراً عـلـى الغـسـانـيـيـن ، والواقع أنّ هؤلاء لم يستلموا التاج إلا عــام 580 للميلاد (2)
وعـلـى هـذا الأسـاس خـلـص دوسـو إلـى أنّ ” مـلكاً عربياً ذكر عام 328 م قد كلل رأسه بالتاج ، ولا يمكـن أن يكـون قـد تسـلـم تـاجـه إلا مـن الـفـرس ، وعـلى هـذا فـامـرؤ القيـس بـن عمـرو قـد اسـتـمـد ســلـطـانـه مـن ملـك الفـرس ويجـب علـيـنـا أن نـجـزم بأنَّـه ملـك الحيرة الذي يسـمى بهذا الاسم ” (3)

عالم الآثار الفرنسي رينيه دوسو
وأثناء بـحـثـي عـن مـعـلـومـات إضـافـيـة عـن الـنـقــش وجـدت دراسـة صدرت عام 2011 للباحث ســعـد الـديـن أبـو الحـب حـول نـقـش النـمـارة يـخـلص فيه إلى أنّ النقش ليس شاهدة قبر للملك امرئ القيس بل كان يتحدث عن فارس مجهول اسمه (عكدي) ، قـد يـكـون شـخـصـيـة قـبـلـيـة عريقة أو أحد المحـاربـيـن العـرب، وقد بدأ بمقدمة تعظم الملك امرئ القيس ليس إلا (4) . لكن الباحثين والمختصين قلـلـوا من أهمية بحثه لاحتوائه على أخطاء فادحة في ترجمة النقش .


كمال الشوفاني
“مترجم وباحث في أدب الرحلات والتراث والآثار”
ـ المراجع : ـ
ـ -1 2-3- دوسو ، رينيه . العرب في سوريا قبل الإسلام ، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد مصطفى زيادة ،دار الحداثة ، بيروت ، ط 2 ، 1985 ص 34
.
ـ 4 – عن ترجمة عربيةلكتاب

: DeArabize Arabia لباحث سعد الدين أبو الحب موجود على الإنترنت على الرابط التالي : ـ http://arabetics.com/public/html/DeArabizing_Arabia/DeArabizing_Arabia

Written by فضاءات

What do you think?

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Loading…

0

نائب وزير الحج مُتحدثاً في لقاء خاص عبر برنامج أبعاد: بيئة حج هذا العام ستكون صحية في المقام الأول

إدوارد سعيد