التصوف عشق ام اغتراب

شــغـلـنـي مـوضـوع التصــوف طـويـلاً وبـتُّ مـهـمـومـةً فـي الـبـحـث عـن هـذه الظـاهـرة ، وشـغـلـنـي السـؤال حـول أسـبـابها ، هـل الأمـر هـوس ديـنـيّ تحـول إلى نوع من الاغتـراب والغـرابة فـي المـسـلـك والعقيـدة ؟ أم أنَّ الأمـر متعـلـق بجملة ظروف نفسـية وقهريـة حـولت الإنسـان المتصـوف إلى باحث عن الله في نفسـه ، وصـاعداً إليه من نفسه في ظل واقع مرير ؛ لا صاحب دين له إيمان ، ولا مؤمن له مسلك
وإذا كـان الحـبّ تجـربـة إنـسـانـيّـة عـامـة فـالعـشـق الإلهـي حـالـة خـاصـة ، فالله هـو العـشـق ومـا وراء العشـق ، وقـد خـلـق العـالـم بـالـعـشـق ، وبـالـعـشـق يـدرك الإنســان سـرَّ الخـالـق ، وجـمـال الكـون بـعد جـمـال الـمـعـشـوق ، والعشــق لـيـس فعـلاً حـكـيـمـاً إنَّـمـا هـو حـالـة مـن الـحـيـرة والـهـذيـان والـجـنـون والتـوسـل ظـنـاً مـن المـتصـوف أنَّ العشـق هـو الـذي يـوحّـد الإنســان مـع الإلـه ومـع كـلِّ الفـائـض مـن الخلـق والخـلائـق وبـاقـي المتفـرقات ، والعشـق الصّـوفيّ يشبه حالة سكر من نبيذ معتَّق سرمدي له مذاق فـريد فـرادة الـرّوح الإلهية ، والتصوف علم ذوقي يعتمد التـذوق وليس الإبصار أو النظر ، وهناك ظاهر وبـاطـن وعندمـا يتـوحـد الصـوفـي بالله يتكلم كلام الله ويصبح الإنسان الكامل هو ذاك المزيج من الإنسان والربّ، ويختفي في النهاية الجزء الإنساني ويلقى الإلهي، والطبيعة عند المتصوفة روحية ،وتتحدث ،تعي وتشعـر، وتحـاور فهي حيَّـة ومن المـاء كل شـيء حي ، والماء هو للتطهـر والغسل من النجاسة ، ونظافة الجســد تعنـي نظـافـة الـروح من الأهواء والانفعالات ، وأركان التصوف ثلاث “الحكمة ، العمل ، العلم” ومحـوره “الـوعـي بالله” والعبـادة مقـامـات يـبـلغهـا المتصـوف بالأنـاة والصبـر والـزّهد والسـكر والفناء
وقـد شـغلـت ظـاهـرة التصـوف العلـم والعلمـاء ورجـال الـديـن والعـامة، وذهـب البـعـض إلـى اعتـبـارهـا حـالـة نفسـية، والبـعـض اعتبـرهـا اغتـراب روحـي بسـبـب ضغوط التقلبات والأحوال مصحوبة مع الظلم والعسـف والكفر ، وأخيراً في نهاية إشارتي إلى هذه الظاهرة ، لا بدّ من ذكر بيت الشعر الصوفي الشهير
لا يعرف الشّوق إلّا من يكابده

ولا الصبابة إلّا من يعانيها

إيمان أبو عساف

اللوحة للفنان السوري ياسر الغربي